السبت، 5 فبراير 2011

الأبعاد الاقتصادية -التجارية من انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي



الأبعاد الاقتصادية -التجارية من انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي 
د.عمرو معديكرب حسين الهمداني



مقدمة
بالرغم مما تعاني منة الأوضاع الاقتصادية اليمنية إلا أن موقع اليمن البحري يتميز بإطلالته على جبهتين مائيتين بالإضافة إلى احتضانه مضيق باب المندب احد المضايق العالمية المهمة باعتباره عنق الزجاجة في مدخل البحر الأحمر الذي يتحكم بطرق هامه بين الشرق والغرب ويمر عبرة 3.3مليون برميل نفط يوميا مما يجعله يحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد مضيق هرمز ومضيق ملقا من حيث كمية النفط التي تمر عبر المضايق العالمية يوميا. مما زاد في أهميته الاستراتيجية وزاد من قيمته الاقتصادية حيث يتيح لليمن التوسع في علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
إضافة إلى أن وجود اليمن ضمن تكتل مجموعة البلدان المطلة على المحيط الهندي الذي أنشئ عام 1997م وتجمع صنعاء الذي أنشئ في2003/3/29م والذي يضم اليمن والسودان وأثيوبيا والصومال والذي يؤمل أن تنضم إلية بقية الدول في القرن الأفريقي ,يمكّن اليمن من استغلال موقعها المتميز بان تكون محطة لتفريغ وإعادة شحن السلع القادمة من والى بلدان هذين التجمعين ,وذلك يفضي إلى تنويع البدائل الاقتصادية وتوزيعها ,بحيث لا تتركز مع تجمع اقتصادي واحد.  
كما أن التنوع الطبيعي لليمن يزيد من احتمالات توافر أكثر من مورد طبيعي غير النفط حيث تبقى الفرصة كبيرة أمام رؤوس الأموال الخليجية لتعويض ذلك والاستفادة من تلك الخصائص وهو الأمر الذي يعني جعل استعدادات الخليجيين مفتوحة لمرحلة ما بعد النفط أمر بالغ الأهمية ويكون ذلك من خلال تنوع مصادر دخلهم القومي داخليا وخارجيا.
وقد عالج د.نادر فرجاني مشكلة العمالة الأجنبية والدور الايجابي للأيدي العاملة العربية في إطار سياسة سكانية متوازنة وذلك في كتابة :"استخدام الأيدي العاملة في الدول العربية الخليجية وإمكانية الاستفادة من الأيدي العاملة العربية". ولا شك أن اليمن بحكم العلاقة التاريخية والموقع الجغرافي تستطيع في إطار سياسة سكانية وعمالية واعية أن تلعب دورا هاما في الحفاظ على الوجه العربي للخليج ,ويكفي أن نشير إلى أن الدكتور غسان سلامة وهو احد المتخصصين في شئون المملكة العربية السعودية ,قد جاء في دراسته بان هناك أكثر من مليون عامل يمني يعملون في مختلف أنواع الأشغال .
إن مئات الآلاف من العمال اليمنيين قد ساهموا في إرساء دعائم النهضة العمرانية التي شهدتها السعودية ,وان غيابهم يعنى أن يحل محلهم مليون عامل أجنبي يستقدمون من البلدان الأسيوية وغيرها ليزيدوا من حجم العمالة الأجنبية وخطرها على امن المنطقة وعروبتها ومستقبلها .إن لأبناء اليمن خاصة وأبناء العروبة عامة دورا هاما في الإسهام بإيجاد حل للخلل السكاني في دول الخليج العربي بما يحفظ عروبة المنطقة .ولقد أصاب الدكتور عبد الملك التميمي في معرض تحليله لمخاطر الهجرة الأجنبية :
    "أن هذه الهجرة هي نوع من الاستيطان السلمي الهادئ الذي يتم في هذا الجزء من العالم ,وقد يصحو العرب مستقبلا على واقع استيطاني أجنبي جديد تصعب إزالته ,ويضاف إلى المشكلات الأساسية التي تعاني منها هذه الأمة والحقيقة فان هذه الدراسة قد أثبتت مصداقية افتراضاتها فقد تمت هذه الدراسة في أخر عقد الثمانينات من القرن الماضي وقد تحققت كافة نتائجها .
وتشير الإحصاءات إلى أن حجم العمالة اليمنية في الدول الخليجية قبل الوحدة قد وصل إلى أكثر من 1,3مليون عامل ساهموا بإيجابية في رفد الاقتصاد الوطني بمئات الملايين من الدولارات بلغت في عام 1985م إلى 1189 مليون دولار مثلت 24% من الناتج المحلي الإجمالي للعام نفسه إلا أن أحداث حرب الخليج الثانية 1991م أثرت سلبا عل العمالة اليمنية والتي كانت تمثل عامل قوة وسندا للاقتصاديات الخليجية ومساهمة فاعلة في تنميتها وتطورها حيث تم ترحيل قرابة 800 ألف مغترب انعكس سلبا على الاقتصاد اليمني ورغم ذلك فإن العمالة اليمنية لا يزال لها موطئ قدم في دول الخليج وازداد عددهم خاصة خلال السنوات الأخيرة وتبين الإحصائيات الرسمية حجم العمالة اليمنية في كل دول خليجية على النحو الآتي:
000700 ألف يمني في السعودية وخمسين ألفا في الإمارات وسبعة آلاف في قطر وخمسة آلاف في البحرين وأربعة آلاف يمني في الكويت وذلك حسب إحصائيات عام 1999م.
ونرى بأن مبررات دول المجلس بشأن عدم استقدام العمالة اليمنية مجددا لاعتبارها غير ماهرة وغير قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل الخليجي ولأن دول الخليج تعاني من تزايد البطالة بين سكانها غير صادقة وهذا أمر سياسي أكثر منه اقتصاديا لأن 50% من العمالة الموجودة في الخليج اليوم هي غير ماهرة ومعظمها من دول جنوب غرب آسيا إلى جانب أن هذه العمالة المقدرة بتسعة ملايين نسمة غير عربية أصبحت تشكل تحديا خليجيا أمنيا واجتماعيا واقتصاديا أيضا بعد أن وصلت تحويلاتها إلى أكثر من 26 مليار دولار سنويا.
 وتعتبر دول المجلس دولاً غنية مقارنة باليمن، لكن على الجانب الآخر إذا قيست الدول الست بدول أخرى فإن الغنى هنا نسبي إلى حد كبير، فعلى رغم أنها غنية بالثروات الطبيعية، خصوصاً النفط الذي يصل احتياطيها منه إلى حوالي 483 بليون برميل، فإن دخول مواطنيها - وإن كانت معقولة نسبياً - لا تعتبر عالية مقارنة بدول أخرى غنية، واليمن يملك الكثير الذي يمكن أن يقدمه، فأوضاعه الاقتصادية طرأ عليها تحسن ملحوظ خلال السنوات الماضية، ولديه ثروة بشرية عاملة تبلغ حوالي 4 ملايين نسمة، بإمكان نسبة كبيرة منها أن تنضم إلى سوق العمالة الوافدة التي يصل تعدادها إلى أكثر من 12 مليوناً، والسعودية وحدها تستضيف نحو 7 ملايين من العمالة الأجنبية، خصوصاً أن العمالة اليمنية قبل حرب الخليج الثانية كان لها حضور كبير في الخليج كما سبق ايضاحه، وإذا فازت العمالة اليمنية بسوق العمل الخليجي الذي تقدر تحويلاته المالية بـ(25) بليون دولار سنوياً فإنها ستعود على اليمن واقتصاده بالنفع.
وعن واقع أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصا في ظل تكتل العالم في تجمعات تحميه من مخاطر العولمة وابتلاع الاقتصاديات الكبيرة للدول الأقل تكتلا واقتصادا في ظل ذلك تحاول ورقة «الشراكة الاقتصادية بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي .. الواقع وآفاق المستقبل» أن تستشرف رؤية للآفاق المستقبلية للعلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية وبما يساهم في تعزيز وتقوية المصالح المشتركة ويعمل على استمراريتها بما يخدم مسيرة التنمية العربية الشاملة.
ويعتقد الباحث منصور البشري أن المحددات الاقتصادية بين اليمن ودول الخليج لها أهمية كبرى قد تفوق خلال السنوات القادمة العوامل والمحددات السياسية والأمنية لعدة اعتبارات أهمها أن دول الخليج من أهم دول العالم وأكبر قوة نفطية من حيث الاحتياطي والإنتاج أو الصادرات وهو ما يعني نسبيا تدفق عائدات النفط وبمبالغ كبيرة على دول الخليج لفترة طويلة.
وبالمقابل تعاني دول الخليج من نقص حاد في الموارد البشرية بعكس اليمن التي تعاني من زيادة النمو السكاني الأمر الذي يعني قدرة اليمن على المساهمة في سد الفجوة الخليجية بين قدراتها المالية الضخمة وقدراتها البشرية الضعيفة كما أن دول المجلس واليمن يكونان سوقا تجارية طبيعية جغرافيا وتبادل للمنافع من خلال هذا السوق حيث تمثل دول الخليج شريكا تجاريا مهما لليمن وتعد دول المجلس المصدر الأول لليمن حيث بلغت واردات اليمن من دول المجلس خلال عام 2002م قرابة 203 مليارات دولار وبنسبة 40% من إجمالي الواردات اليمنية كما بلغت نسبة الصادرات اليمنية إلى دول المجلس حوالي 63 مليار ريال وبنسبة تصل إلى 11% من مجموع الصادرات.
وقد شهدت مسيرة العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية خلال السنوات الماضية تطورا ملحوظا بما يعزز من فرص التكامل للاقتصاد اليمني مع الاقتصاديات الخليجية.
وتبدو أهمية الأسواق الخليجية بالنسبة للصادرات اليمنية غير النفطية ,والمتمثلة في المنتجات الزراعية والسمكية على عكس الأسواق الآسيوية التي يمثل النفط الخام السلعة الرئيسية المصدرة إليها وهذا يعني أن الفرصة متاحة أمام اليمن لزيادة صادراتها غير النفطية بشرط تحسين وتطوير المنتجات المصدرة.
ومن خلال الإحصائيات الرسمية تبين المؤشرات أن هناك اختلالا في ميزان التبادل التجاري بين اليمن والدول الخليجية وبصورة كبيرة لصالح الدول الخليجية الأمر الذي يؤكد أن اليمن تعتبر امتدادا للسوق المحلية الخليجية.
ومع ذلك يلاحظ الارتفاع السنوي في حجم التبادل التجاري بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي حيث ارتفعت الواردات اليمنية من دول الخليج من 18 مليار ريال وبنسبة 29% من إجمالي الواردات اليمنية لعام 1995م إلى 43 مليار ريال لعام 1996م.
وظل هذا الارتفاع في الواردات كل سنة لتصل في عام 2002م إلى حوالي 203 مليارات ريال وبنسبة 40% من حجم الواردات اليمنية أي أنها خلال السنوات من 1995م حتى 2002م قد نمت بحوالي 1128% كما يلاحظ تزايد حجم الصادرات اليمنية خلال نفس الفترة حيث بلغت في عام 2002م 28 مليار ريال مقارنة بـ 3,6مليار ريال عام 1996م, وستتضح لنا معالم هذه الأبعاد من خلال النقاط التالية:
في مجال التبادل التجاري:
تمثل الدول الخليجية شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة لليمن، حيث تستحوذ على النصيب الأكبر من واردات اليمن من السلع المختلفة، كما تشكل سوقاً مهماً للصادرات اليمنية غير النفطية وبالأخص من السلع الزراعية والسمكية، حيث احتل مجلس التعاون الخليجي المرتبة الأولى خلال السنوات (2000 – 2004) في قائمة الكتل التجارية المصدرة إلى اليمن، ووصلت قيمة الصادرات الخليجية إلى السوق اليمنية إلى 245 مليار ريال وبنسبة 33,3 في المائة من إجمالي واردات اليمن تليه مجموعة البلدان الآسيوية غير العربية بقيمة 179 مليار ريال وبنسبة 24,3 في المائة ثم المجموعة الاقتصادية الأوربية ثم مجموعة البلدان الأمريكية ثم بقية الدول العربية بمبلغ 36,5 مليار ريال ونسبة 5 في المائة، أما في مجال الصادرات اليمنية فإن مجموعة البلدان الآسيوية غير العربية لا تزال تحتل المرتبة الأولى خلال الفترة نفسها، حيث بلغت قيمة الصادرات اليمنية إليها خلال عام 2004 / 547 مليار ريال (قرابة 3 مليارات دولار) وبنسبة 7,3 في المائة ثم مجلس التعاون الخليجي بقيمة للصادرات تصل إلى 50 مليار ريال 6,6 في المائة من إجمالي صادرات اليمن.
ومن ناحية ثانية تبدو أهمية الأسواق الخليجية بالنسبة للصادرات اليمنية من حيث كونها أهم الأسواق الخارجية استيعاباً للصادرات اليمنية غير النفطية والمتمثلة في المنتجات الزراعية والسمكية على عكس الأسواق الآسيوية التي يمثل النفط الخام السلعة الرئيسية المصدرة إليها، وبالتالي فإن الإمكانيات متاحة أمام اليمن لزيادة صادراته غير النفطية بشرط العمل على تطوير وتحسين جودة المنتجات المصدرة والاهتمام بتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لعملية تصدير هذه المنتجات وعلى رأسها توفير المؤسسات اللازمة لإعداد المنتجات وتجهيزها بالصورة المناسبة من تغليف وتعبئة وفرز فضلاً عن توفير خطوط النقل المختلفة (برية ـ بحرية ـ جوية) اللازمة لنقل هذه المنتجات.
وتجدر الإشارة إلى أهمية الاستفادة من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وخاصة أن دول الخليج أعضاء في هذه المنظمة، كما أن اليمن يسعى إلى الانضمام في القريب العاجل، وعليه فإن التعقيدات السياسية والإدارية والمعوقات الموضوعة أمام انسياب التجارة البينية من الممكن أن تنتهي خلال السنوات القليلة المقبلة، والأهم من ذلك هو إعداد المنتجات القابلة للتصدير إعداداً جيداً يتيح لها القدرة على المنافسة في السوق الخليجي وبما يعمل على تعظيم مكاسب دول المنطقة.
ومن ناحية ثانية وعند دراسة مؤشرات التبادل التجاري بين اليمن والدول الخليجية ومن خلال تتبع الإحصائيات الرسمية يلاحظ غلبة الواردات اليمنية من الدول الخليجية على حجم صادراته وبالتالي اختلال الميزان التجاري وبصورة كبيرة لصالح الدول الخليجية، الأمر الذي يؤكد أن اليمن يعتبر امتداداً للسوق المحلي الخليجي.
ومع ذلك يلاحظ الارتفاع السنوي في حجم التبادل التجاري بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث ارتفعت الواردات اليمنية من دول الخليج من 120 مليار ريال وبنسبة 32 في المائة من إجمالي الواردات اليمنية للعام 2000 إلى 245 مليار ريال عام 2004 وبنسبة 33.3 في المائة من حجم الواردات اليمنية، أي أنها خلال السنوات     (2000 – 2004) نمت في المتوسط بحوالي (26 في المائة)، كما يلاحظ أيضاً تزايد حجم الصادرات اليمنية خلال الفترة نفسها لتصل في العام 2004 إلى (50) مليار ريال وبنسبة 6,6 في المائة من إجمالي الصادرات اليمنية خلال العام نفسه.
أما من خلال مؤشرات أهمية كل دولة من دول المجلس بالنسبة لليمن في مجال التبادل التجاري فيلاحظ أن كلاً من الإمارات والسعودية والكويت وسلطنة عمان كانت من أهم عشرين دولة لليمن في تبادلها التجاري، حيث كانت دولة الإمارات العربية المتحدة الشريك التجاري الأول لليمن في مجال الواردات خلال الأعوام (2000 – 2004) وتراوحت نسبة الاستيراد منها ما بين 10 في المائة إلى 16,7 في المائة من إجمالي الواردات اليمنية وهذا يدل على أهمية الإمارات كشريك تجاري لليمن ومن الأهمية بمكان تطوير العلاقات التجارية معها في المستقبل وبالشكل الذي يسهم في تعزيز وتقوية العلاقات بين البلدين، كما أن السعودية كانت الشريك التجاري الثاني لليمن في مجال الواردات خلال الأعوام (2001-2004) والشريك الأول عام 2000م وتراوحت حصتها من إجمالي الواردات اليمنية ما بين 8,8 إلى 13,8 في المائة. وكذلك الكويت حيث احتلت المرتبة الثالثة خلال الفترة نفسها باستثناء العام 2001 الذي جاءت فيه في المرتبة الرابعة، وتراوحت نسبتها ما بين 4,7 في المائة إلى 7,11 في المائة، أما سلطنة عمان فقد قفزت من المرتبة التاسعة عشرة عام 1999م إلى المرتبة الثالثة عشرة عام 2000م ثم المرتبة الحادية عشرة للأعوام (2001-2002م) وتراوحت حصتها ما بين 1,9 في المائة إلى 3,26 في المائة من إجمالي الواردات اليمنية.
أما من حيث أهمية دول التعاون بالنسبة للصادرات اليمنية فيلاحظ أن كلاً من الإمارات والسعودية والكويت كانت من بين أهم عشرين دولة صدّرت إليها المنتجات اليمنية، وجاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى من بين دول المجلس التي صدّر إليها اليمن تليها الكويت ثم الإمارات.
في مجال العمالة:
مثل اكتشاف النفط في دول الخليج مرحلة جديدة في حياة شعوبها، إذ ساعد اكتشاف النفط وتدفق عائداته وخاصة منذ فورة الأسعار في سبعينات القرن الماضي على انطلاق مسيرة التنمية والتطوير والتحديث وفي ظل تعداد سكاني ضئيل للدول الخليجية كان استقدام العمالة الأجنبية خياراً مهماً، حيث كانت التنمية بحاجة إلى أيد عاملة كثيرة ومتنوعة التخصصات لم تستطع المجتمعات الخليجية الوفاء بها وتوفيرها سواء من حيث الكم أو الكيف، الأمر الذي ساهم في زيادة أعداد العمالة الوافدة حتى أصبحت تقدر بالملايين وتشكل النسبة العظمى من سكان معظم دول الخليج.
ونتيجة لذلك فقد أحدث تدفق العمالة الأجنبية على منطقة الخليج العربي آثاراً عديدة سلبية وإيجابية على الاقتصاد الخليجي والتركيبة الديموغرافية للسكان في منطقة الخليج فضلاً عن الآثار الثقافية والاجتماعية التي نقلها العمال المهاجرون من بلدانهم إلى المنطقة. وبالنسبة للآثار الاقتصادية يمكن إبراز قضية تحويلات العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون نظراً لأهميتها الاقتصادية بالنسبة لدول المجلس والتي تأتي من تزايد حجم تلك التحويلات وآثارها على ميزان المدفوعات بالنسبة للدول الخليجية باعتبارها تسربات ضخمة من الناتج المحلي، حيث تشير إحدى الدراسات المعدة من قبل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي أواخر العام 2003 إلى أن تحويلات العمال الأجانب العاملين في دول المجلس وصلت إلى حوالي 24 مليار دولار سنوياً يأتي معظمها من المملكة العربية السعودية وبنسبة تصل إلى 63 في المائة من إجمالي تحويلات العمالة في الدول الخليجية، تليها التحويلات من دولة الإمارات العربية المتحدة وبحوالي 15 في المائة، بينما يتوزع الباقي على دول المجلس الأخرى.
والجدير بالذكر أن لهذه التحويلات آثاراً سلبية عديدة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تشكل تسرباً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ نسبته حوالي 9 في المائة، وهي أعلى نسبة للتحويلات تسجل في العالم، كما أن لها آثاراً سلبية في موازين المدفوعات في الدول الخليجية وبالأخص في السنوات التي تشهد أسعاراً منخفضة للنفط، فعلى سبيل المثال فقد أسهمت التحويلات في تخفيض الفائض في الحساب الجاري لدول المجلس في العام 2000م بمقدار 48 في المائة، فضلاً عن آثارها السلبية غير المباشرة في الاستثمار في دول المجلس، حيث تراوحت نسبة تحويلات العمالة الأجنبية مقارنة مع حجم الاستثمار لكل دولة من دول المجلس ما بين 25 في المائة و45 في المائة بالمتوسط كان من الممكن استثمارها في مشاريع استثمارية عديدة وبما يعود بالنفع على الاقتصادات الخليجية ودول المنطقة.
واليمن كغيره من الدول استفادت من هذا الوضع، حيث تدفقت أعداد كبيرة من العمالة اليمنية على مختلف دول المجلس إلا أن النسبة العظمى كانت تتجه نحو المملكة العربية السعودية، وساهمت العمالة اليمنية مساهمة إيجابية في النهضة الخليجية الحديثة وبناء البنية التحتية الخليجية.
ووفقاً لإحصائيات رسمية (السابق ذكرها) فإن حجم العمالة اليمنية في الدول الخليجية قبل الوحدة وصل إلى أكثر من 1.3 مليون عامل ساهموا بإيجابية في رفد الاقتصاد الوطني بمئات الملايين من الدولارات وصلت في العام 1985م إلى 1189 مليون دولار مثلت 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام نفسه، إلا أن أحداث حرب الخليج الثانية 1991م أثرت سلباً في العمالة اليمنية المهاجرة في الدول الخليجية من خلال ترحيل ما يقارب 800 ألف مغترب مما انعكس سلبياً على موقف الاقتصاد اليمني وساهم في تفاقم حدة الاختلالات، فيه ومع ذلك فإن العمالة اليمنية لا يزال لها وجود مهم في الدول الخليجية وبالأخص خلال السنوات الأخيرة من عقد التسعينات.
ومنذ عودة الدفء إلى العلاقات اليمنية - الخليجية في السنوات الأخيرة وبالأخص بعد توقيع اتفاقية الحدود اليمنية - السعودية في يونيو 2000م كانت الموضوعات المتعلقة بالعمالة اليمنية تتصدر الاجتماعات المشتركة وخاصة مع الجانب السعودي، حيث طرح موضوع العمالة اليمنية على طاولة اجتماعات مجلس التنسيق اليمني - السعودي خلال أغلب الاجتماعات الأخيرة للمجلس التي انعقدت منذ التوقيع على اتفاقية الحدود بين البلدين ومع ذلك لم تعط الدول الخليجية أي تنازلات فيما يخص موضوع العمالة، بل إن هناك من يرى أن موضوع العمالة اليمنية وتدفقها نحو الدول الخليجية يعد أحد أهم الأسباب التي وقفت أمام استبعاد اليمن من المشاركة في المجال الاقتصادي الخليجي.
والجدير بالذكر أن هناك مجموعة من الرؤى والأسباب التي يراها العديد من الباحثين والمهتمين بالعلاقات اليمنية الخليجية والتي تقف وراء استبعاد العمالة اليمنية ومنها :
· إن العمالة اليمنية معظمها غير ماهرة، وبالتالي فإنها غير قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل الخليجي ولاسيما بعد الانتهاء من إنشاء البنى التحتية في دول المجلس.
· إن الدول الخليجية أصبحت في الفترة الأخيرة تعاني من تزايد معدلات البطالة بين سكانها، الأمر الذي دفعها إلى تبني سياسات الإحلال للعمالة الوطنية محل العمالة الوافدة.
فيما يرى كثير من المتابعين والمهتمين بشؤون العمالة أن موضوع العمالة اليمنية هو في الواقع موضوع سياسي أكثر منه اقتصادي وأن المبررات السابقة التي تطرحها دول المجلس غير موضوعية وذلك للأسباب التالية :
· إن نسبة كبيرة من العمالة في الاقتصاديات، الخليجية غير ماهرة وتصل نسبتها إلى أكثر من 50 في المائة من مجموع العمالة الوافدة.
· إن أعداد العمالة الأجنبية، وبالأخص من الدول الآسيوية، في تزايد مستمر سنة بعد أخرى على حساب العمالة العربية فعلى سبيل المثال فقد زادت العمالة الهندية في دول الخليج من 247 ألفاً عام 1975م إلى حوالي 3 ملايين عامل عام 2000م وتشكل أكبر جالية أجنبية في دول المجلس، تصل نسبتها إلى حوالي 10,6 في المائة من مجموع سكان الدول الخليجية والبالغ 28 مليون نسمة.
· إن أعداد العمالة الأجنبية المتزايدة (أكثر من 9 ملايين عامل) تمثل تحديات حقيقية أمام الدول الخليجية سواء من حيث الأبعاد الأمنية أو الاجتماعية أو من حيث البعد الاقتصادي.
ومع ذلك فإن طرح موضوع المساهمة الخليجية في تشغيل العمالة اليمنية داخل اليمن من خلال الاستثمارات الخليجية في اليمن أمر جدير بالاهتمام ينبغي تفعيله من خلال القيام بإعداد وتهيئة البيئة الاستثمارية الملائمة، فضلاً عن وجود خطط مسبقة لاستيعاب الاستثمارات الخليجية بالشكل الذي يساهم في حل مشكلة البطالة المتفاقمة في اليمن.
* المنافع الاقتصادية لتوسيع مجلس التعاون لدول الخليج العربية:-
كان هذا العنوان موضوع دراسة حديثة أعدها فريق من خبراء صندوق النقد الدولي بعنوان"المنافع الاقتصادية لتوسيع مجلس التعاون لدول الخليج العربية", وقالت هذه الدراسة أن حصول اليمن على عضوية كاملة في مجلس التعاون الخليجي سينعكس في خلق أسواق كبيرة وخفض أو إلغاء تكاليف الدخول والانتقال للأفراد والشركات, وكلاهما سيعمل على تشجيع دخول شركات جديدة إلى هذه الأسواق ,ما سيؤدي إلى تقليص قوة وهيمنة الشركات القائمة في الأسواق الحالية وبالتالي زيادة المنافسة.
وأفادت الدراسة أن من ابرز الفوائد المحتملة على المدى البعيد لعملية الانضمام ,إتاحة توسيع الأسواق واستغلال الشركات للاقتصادات الكبرى, إذ يؤدي التكامل الاقتصادي الإقليمي إلى التغلب على الآثار السلبية للاقتصادات الصغيرة وتسهيل الوصول إلى الأسواق ,كما تؤدي المنافسة إلى خفض الشركات للأسعار وزيادة المبيعات ,الأمر الذي يعود بالفائدة على المستهلكين ,وبالتالي تحسن مستوى المعيشة على مستوى الإقليم ,إضافة إلى خفض أسعار تحويل العملة الوطنية ,وتحقيق فوائد إضافية للمستهلكين.
ولفتت الدراسة إلى أن التكامل الاقتصادي يؤدي إلى رفع مستوى الكفاءة لدى الشركات وتشجيع التنوع في الإنتاج ,ما يعمل على تحسين مستوى السلع والخدمات المقدمة للمستهلكين.
وتشير تقديرات النموذج الذي اعتمدته الدراسة إلى أن خفض هوامش الأرباح في سوق السلع وسوق العمل من 40الى 50 في المائة في كل من اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي ,يزيد حجم الناتج المحلي الإجمالي في المدى الطويل بمقدار 18و20 في المائة لكل منهما على التوالي .ففي الوقت الذي تتسم فيه سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي بالجمود ,تميز سوق السلع في اليمن بالاحتكار.
ويؤدي تعزيز المنافسة في هاتين السوقين إلى زيادة الإنتاج بنسبة 14بالمائة في اليمن و5 في المائة في دول مجلس التعاون الخليجي ,مع تحقيق زيادة ملحوظة في الاستهلاك والاستثمار والتوظيف ,كما أن تحسين بيئة المنافسة لدى احد الجانبين سيؤثر إيجابا في الجانب الأخر.

ليست هناك تعليقات: