الاثنين، 9 أبريل 2012

ورقة عمل :الدعوة الإسماعيلية في اليمن بين التزييف والمصادرة


ورقة عمل :الدعوة الإسماعيلية في اليمن بين التزييف والمصادرة

أ.محمد محمد الأشول –باحث في الشأن الإسماعيلي
ظهرت الدعوة الإسماعيليه في اليمن بنهايه القرن الثالث الهجري إنطلاقاً من عدن لاعه شمال غرب اليمن ومن عدن ابين جنوب اليمن بواسطه الداعيين الفرج بن الحسن بن حوشب ابن زادان الكوفي (منصور اليمن ) وعلي بن الفضل الحميري اللذين استطاعا خلال فتره زمنيه قصيرة أن يحققا نجاحاً باهراً في نشر الدعوة الإسماعيليه في اليمن وفق مخطـط طموح رسمه لهما بدقه عبيدالله المهدي (صاحب الظهور), وذلك من خلال الوصول الى الناس بطرق تكتيكية ذكيه مبنية على محاولات تقدير الواقع الذي يعملان فيه , ومراعاة التدرج في التعامل مع الناس المستهدفين والاستفادة من الظروف المحيطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما تزخر به  من مظاهر الاختلاف والصراع وتداعياتها (1).
لقد استفاد الداعيان الإسماعيليان من قدراتهما الذاتية واستغلا الامكانيات التي توافرت لهما , وسرعان ما أصبحا ضمن حلقات الصراع في اليمن كطرف فاعل بالغ التأثير شديد الخطورة وقفت أمامه بقيه الأطراف مضطربة فزعة مذعورة وعاجزة عن الحد من اندفاع تياره الجارف الذي اكتسح جبال اليمن وسهولها وبسط نفوذ الدعوة الإسماعيليه على معظم هضبة اليمن وجبال السراة وكادت سلطتها تغطي كامل التراب اليمني لولا الظروف التي أحاطت بالدعوة عموماً والمتمثل بظهور عبيدالله المهدي في المغرب الأقصى وانفصال على بن الفضل عن التكوين الدعوي واستقلاله بالسلطة فيما تحت يديه من الأرض وانتهاج أسلوب الحكم الفردي في إدارة مملكتة وهذا الوضع انعكس سلباً على جهاز الدعوة في اليمن إذ أدى فيما بعد إلى اختلاف الداعيين في اليمن ( ابن حوشب وأبن الفضل ) وتفاقم الامر بأحتدام  الخلاف وتحوله إلى صراع دموي بينهما كان لأطراف الصراع الاخرى في اليمن ادوار مشهودة في تأجيجه واذكاء أواره (2).
لم يؤد اختلاف ابن حوشب وابن الفضل إلى إضعاف مركز الدعوة في اليمن وحسب بل أتاح لخصومها فرصه النيل من مصداقيتها والطعن في صحة عقيدتها والتشكيك في إيمان أصحابها إلى حد الجهر بتكفيرهم والدعوة إلى جهادهم وتطهير البلاد من رجسهم وتم لهم تدمير ألمذيخرة  والتنكيل بأصحاب علي بن الفضل وسبي نسائه وقتل أولاده , ثم ألاجهاز على كيان ابن حوشب في مسور لتدخل الدعوة الإسماعيليه بعدها في اليمن مرحله الانكفاء على الذات وممارسة النشاط الدعوي بصورة محدودة جداً وبشكل سري تام (3).
أدى انتشار الدعوة الإسماعيليه في اليمن بين عامة الناس من الفلاحين الفقراء والمعدمين إلى اكتساب قوة بشريه هائلة شكلت جيشاً جراراً يقاتل ببسالة للتحرر من الاستبداد والظلم والقهر والاستغلال , والدفاع عما حققته له الدعوة الإسماعيلية من مكاسب مادية ومعنوية على طريق دولة المواطنة المتساوية .
غير أن تعزيز هذا الزخم الجماهيري بالولاء المطلق للدعوة لم يعمل على تثبيت مفاهيم عقائديه في الذهن الجمعي وترسيخها في الوعي العام كثوابت ينبغي الالتزام بها والدفاع عنها , وذلك من خلال الاهتمام بالكم على حساب الكيف ومن ثم كان التركيز على تناول القضايا العامة للناس وإهمال الجانب العقائدي (الاديولوجيا ) الأمر الذي أحدث صدمة نفسية عميقة لدى مؤيدي الدعوة وهم يشاهدون حلمهم يتهاوى فجأة وانكفأوا على دواخلهم وفروا من حلبه الصراع طلبا للنجاة وأيثاراً للسكينة خاصة وقد وجدوا حولهم قوى سلطويه ناهضة جاهزة للبطش بهم .
هذا, ومن ناحية ثانية أتاح اختلاف ابن حوشب وابن الفضل الفرصة للأطراف المتنفذة في اليمن لإعادة النظر في علاقاتها وترتيب أولوياتها , فتوافقت على ضرورة التخلص من الخطر الإسماعيلي واستئصاله من اليمن فعمل كل طرف حسب امكانياته في هذا الاتجاه , ولعل اخطر الاسلحة التي حوربت بها الدعوة الإسماعيلية وأشدها فتكاً وتأثيراً على الإسماعيليين كان سلاح الفكر الذي ماتزال جروحه تنزف صديداً إلى اليوم . لقد عملت القوى المتسلطة في اليمن من بداية القرن الرابع الهجري إلى اليوم على تزييف الوعي الجماهيري ومصادرة الفكر الانساني بمختلف الاساليب وشتى الوسائل ونجحت في تثبيت سلطتها السيادية وترسيخ سيطرتها الروحية على عامة الناس بصورة منقطعة النظير .
ومن ناحية ثالثة فقد حافظ رجال الدعوة الإسماعيلية على تواجدهم واستمرار نشاطهم بصورة سرية في اغلب الأوقات , كما أنهم احتفظوا بثمرات جهود الداعيين الرائدين التنظيمية التي أنجبت الداعية الكبير أبا عبدالله الشيعي الذي مهد بلاد المغرب لظهور عبيدالله المهدي واشرف على ولادة الدولة الفاطمية الزاهرة .
لقد تطور جهاز الدعوة بعد الرائدين بالاتجاه نحو البناء الفكري للدعاة وتابعيهم على حد سواء وإعدادهم لتحمل مسؤولية الدعوة بفكر ثاقب وحمايتها بقلب واجب والدفاع عنها برأي صائب ورفدها بكف واهب وسرعان ما آتى هذا التطوير أكله الطيب الشهي , وأنجز وعده الوفي على يد الداعية الكبير علي بن محمد الصليحي سنه 439 بعد مرور مأة وخمسة وثلاثين عاماً على تدمير المذخيرة سنـه 303  ومع أن حكم الدولة الصليحية كان رشيداً في كل المجالات وعلى كافه المستويات وترك آثاراً ايجابية في الذهن الجماعي لدى اليمنيين وغيرهم فقد تعرض الصليحيون وحكمهم لحملات تشويه وتزييف وتحريف من قبل خصومهم التقليديين في اليمن على الرغم مما تراه الابصار من آثار ومعالم شاخصة تشهد بصلاح الدولة الصليحية وأخلاص حكامها وحسن تعاملهم مع الرعايا والمعارضين .
لقد تمثلت حملات تزييف واقع الحال بالنسبة للدعوة الإسماعيلية في اليمن في المظاهر والممارسات المبينة فيما يلي :
إولاً : اطلاق حملات تشكيك في صحة العقيدة الإسماعيلية وسلامة ممارسة الإسماعيليين لشعائر الدين وطقوسه , فقيل أن صلاتهم غير صلاة المسلمين وان صيامهم يختلف في مواقيته إمساكاً وافطاراً وحجهم يتفرد عن الأخرين بوقوفهم في منطقه عرنه تحت جبل عرفات .
ثانياً : تحريف أساسيات العقيدة الإسماعيلية فيما يخص الامامة والتأويل , وتشويه حقيقة الفكر الإسماعيلي .
ثالثاً : محاولات طمس معالم الفكر الإسماعيلي بمصادرة واحراق أدبياته وإخفاء تراثه .
رابعاً : تصفية دعاة المذهب الإسماعيلي وارهاب اتباعه .
خامساً : شن حملات اعلامية تكفيرية واسعة الانتشار تستهدف النيل من العقيدة الإسماعيلية والطعن في عروض الإسماعيليين وتكفيرهم والدعوة الى جهادهم بتحريض الرأي العام على طائفة الإسماعيلية من خلال الخطب المنبرية والقصائد الشعرية والتسجيلات الدعوية (المحاضرات ) .
سادساً : تجريد حملات عسكرية لاستئصال شأفة الدعوة الإسماعيلية لأعدامها من الوجود وذلك بقتل الدعاة وهدم الحصون وتشريد الاتباع ونهب الاموال وحرق الممتلكات واهلاك الزرع والضرع .
يقال ان التاريخ يكتبه المتنصرون غير أن ذاكرة الشعوب وذهن الجماهير تظل محتفظة بمجريات الاحداث في أماكن قريبة من الوعي العام سرعان ما تستدعي حضورها وخاصة عند الضرورة , وتهب الجماهير ثائرة لنفسها من الدجالين والطغاة.
وخلاصه القول أن الصراع على السلطة في أي مكان وفي أي زمان يجعل المتصارعين رهن الامكانيات المتاحة أمامهم مهما كانت أخلاقياتهم حيث أن الغاية تبرر الوسيلة , والضرورة تتحكم بالأسلوب مهما كانت النتائج والتداعيات .

محمد محمد علي الأشــول
يريم : آخر مارس 2012م

ليست هناك تعليقات: