السبت، 5 فبراير 2011

الأزمة المالية وأثرها على الاقتصاد العربي


الأزمة المالية وأثرها على الاقتصاد العربي

الباحث / أحمد يحيى القراع 

أولاً :مقدمة

الحمد لله رب العالمين القائل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ، والقائل : (ولو أن أهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) . واصلي واسلم على اشرف خلقه القائل (تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).

قال تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)، والمتأمل في مجريات الأزمات الاقتصادية العالمية ، ومنها الأزمة المالية العالمية الحالية سيجد أنها من صنع الإنسان ، لان الله تعالى لم يأمر ولم يأذن بمخالفة سننه في الكون ، قال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمري أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) النور (63).

إن تعاطي الربا وممارسة الغرر هي من قبيل المخالفة لأمر الله تعالى ، ذلك أن الربا (الزيادة في المال بدون عوض) الذي يأخذه الرابون من إقراضهم للناس ذمه الله تعالى ومحقه قال تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) ، ومن ثم فان التعاملات الربوية تنتهي بالمحق والزوال ، وهي سنة من سنن الله تعالى في الكون قال تعالى (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) فاطر (43) . إن اكبر سوقين يتم فيهما تعاطي الربا والتعامل بالبيوع المحرمة الأخرى في العصر الحديث هما البورصات ، والبنوك (السوق المالية والسوق النقدية) ، ولذلك فان المحق الذي يصيب العالم في الوقت الحاضر يأتي من السوق المالي (البورصات) و من الصندوق النقدي (البنوك).

ثانيا ً المفهوم

أ. تعريف الأزمة المالية

تعرف الازمة المالية بانها“ هي الانخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من الأصول. والأصول إما رأس مال مادي يستخدم في العملية الإنتاجية مثل الآلات والمعدات والأبنية، وإما أصول مالية، هي حقوق ملكية لرأس المال المادي أو للمخزون السلعي، مثل الأسهم وحسابات الادخار مثلاً، أو أنها حقوق ملكية للأصول المالية، وهذه تسمى مشتقات مالية، ومنها العقود المستقبلية (للنفط أو للعملات الأجنبيةمثلا فإذا انهارت قيمة أصول ما فجأة، فإن ذلك قد يعني إفلاس أو انهيار قيمة المؤسسات التي تملكها.

وقد تأخذ الأزمة المالية شكل انهيار مفاجئ في سوق الأسهم، أو في عملة دولة ما، أو في سوق العقارات، أو مجموعة من المؤسسات المالية، لتمتد بعد ذلك إلى باقي الاقتصاد.

ب-الفرق بين الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية.

لماذا هي أزمة مالية وليست إقتصادية ؟

فهي أزمة في القطاع المالي ولكنها تهدد بإغراق الإقتصاد بأكمله. فكيف ولماذا؟

ففى البداية تتطلب أن نفهم أن هناك تفرقة أساسية بين ما يمكن أن نطلق عليه " الإقتصاد العيني أو الحقيقي" وبين "الإقتصاد المالي" .

فأما الاقتصاد العينى " Real Assets " وهو ما يتعلق بالأصول العينية فهو يتناول كل الموارد الحقيقية التي تشبع الحاجات بطريق مباشر " السلع الإستهلاكية " أو بطريق غيـر مباشر " السلع الإستثمارية " .

فالأصول العينية هي مجموع السلع الإستهلاكية التي تشبع حاجات الإنسان مباشرة من مأكل وملبس وترفيه ومواصلات وتعليم وخدمات صحية.

ولكنها أيضاً تتضمن الأصول التي تنتج هذه السلع " الإستثمارية " من مصانع وأراضى زراعية ومراكز للبحوث والتطوير.. وغيرها.

وهكذا فالإقتصاد العيني أو الأصول العينية هو الثروة الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء البشرية وتقدمها.

ومن هنا ظهرت الحاجة إلي " أدوات " أو " وسائل " تسهل التعامل في الثروة العينية. ولعل أولي صور هذه الأدوات المالية هي ظهور فكرة الحقوق علي الثروة العينية.

فالأرض الزراعية هي جزء من الثروة العينية وهي التي تنتج المحاصيل الزراعية التي تشبع حاجة الإنسان من المأكل وربما السكن وأحياناً الملبس.

ولكنك إذا أردت أن تتصرف في هذه الأرض فإنك لا تحمل الأرض علي رأسك لكي تبيعها أو تؤجـرها للغير ، وإنما كان لابد للبشرية أن تكتشف مفهوماً جديـداً إسمـه" حق الملكية " علي هذه الأرض وهكذا بدأ ظهور مفهوم جديد إسمـه الأصول المالية" Financial Assets "، بإعتبارها حقاً علي الثروة العينية.

وأصبح التعامل يتم علي " الأصول المالية " بإعتبارها ممثلاً للأصول العينية عن طريق " سندات الملكية " كافيا لكي تنتقل ملكية الأصول العينية الأرض من مالك قديم إلي مالك جديد.

ولم يتوقف الأمر علي ظهور أصول مالية بالسندات الملكية ، ومن ثم ظهرت فكرة " النقود " التي هي أصل مالي ، أي أن النقود أصبحت تعطي صاحبها الحق في الحصول علي ما يشاء من الإقتصاد، أي من السلع والخدمات المعروضة.

والنقود في ذاتها ليست سلعة وإنما وسيلة إقتصاية لرفاهية المجتمع .

ولم يتوقف على ذلك بل إكتشفت البشرية أن الكفاءة الإقتصادية تزداد كلما إتسع حجم المبادلات ولم يعد مقصوراً علي عدد محدود من الأفراد أو القطاعات، فالقابلية للتداول ترفع القيمة الاقتصادية للموارد ، ومن هنا ظهرت اهمية ان تكون هذه الاصول قابلة للتداول.

و ساعد وجود هذه الأصول المالية المتنوعة علي إنتشار وتوسع الشركات وتداول ملكيتها وقدرتها علي الإستدامة.

فمن ناحية أخرى ظهرت البورصات التي تتداول فيها هذه الأصول المالية مما أعطي المتعاملين درجة من الثقة في سلامة هذه الأصول المالية.

تصاحب كل الأنظمة الوليدة أحاديث تنبؤية عن مستقبلها وتوقعات الخبراء والمهتمين بها لاستشراف المستقبل، وعلماء الاقتصاد الوضعي قد تنبئوا من قبل بانهيار النظام الاقتصادي الاشتراكي؛ لأنه يقوم على مفاهيم ومبادئ تتعارض مع فطرة الإنسان وسجيته ومع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

كما تنبأ العديد من رواد النظام الاقتصادي الرأسمالي بانهياره؛ لأنه يقوم على مفاهيم ومبادئ تتعارض مع سنن الله ومع القيم والأخلاق، كما أنه يقوم على الاحتكار والفوائد الربوية (نظام فوائد القروض والائتمان) التي يرونها أشر شر على وجه الأرض، حيث تقود إلى عبادة المال وسيطرة أصحاب القروض (المقرضون) على المقترضين، وتسلب حرياتهم وأعمالهم وديارهم.

ثالثاً :- نشأه ألازمه المالية وأسبابها

أ- نشأة الأزمة المالية

يقف العالم مذهولا أمام ما يطلق عليه " الأزمة المالية العالمية" ، فأكبر إقتصاد في العالم "الولايات المتحدة الأمريكية" مهدد بالإنزلاق إلى هاوية الكساد والإفلاس، ومن من؟

من أكبر وأعرق المؤسسات المالية الدولية في أمريكا وأوروبا، فكيف حدث ذلك !!

تعود الأزمة المالية العالمية الراهنة إلى عام 2006 ونشوب ما سمي بـ"أزمة القروض العالية المخاطر"

وانفجرت في سبتمبر 2008 والتى تعتبر الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929 .

فلقد بدأت الأزمة أولا بالولايات المتحدة الأمريكية ثم إمتدت إلى دول العالم ليشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية و الدول النامية التي تربط إقتصادياتهابالإقتصادالأمريكى بشكل مباشر "الإقتصاد الرأسمالي

لذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه هو كم خسر العالم من جراء الأزمة الماليةالعالميةالحالية؟ وقدرت بعض الإحصائيات أن العالم قد خسر في منتصف شهر فبراير 2010م حوالي (13) تريليون دولار ، ولا تزال تداعيات الأزمة مستمرة ،

اما بالنسبة للبنوك التي أعلنت إفلاسها منذ بداية الأزمة إلى اليوم (307) بنك.

منها 139 بنكا حتى الآن هذا العام، تعتبر سرعة إفلاس البنوك هي الأعلى، وقد فاق هذا الرقم عدد البنوك المفلسة في 2009 وكان 140، ففي نفس هذا الوقت من عام 2009، بلغ عدد البنوك المفلسة 106 فقط وبالمقارنة فقد تم إفلاس 25 بنكا في 2008 وثلاثة فقط في 2007

ب-أسباب الأزمة المالية

1) عالميا

الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة يمكن استخلاصها من أقوال علماء غربيين شهدوا بذلك شهادة علمية، ومنهم الذين حصلوا على جائزة نوبل في الاقتصاد مثل موريس آليه الذي قال: "إن النظام الاقتصادي الرأسمالي يقوم على بعض المفاهيم والقواعد التي هي أساس تدميره إذا لم تعالج وتصوب تصويبا عاجلا"، كما تنبأ العديد من رجال الاقتصاد الثقات إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد يقوم على مبادئ تقود إلى إفلاسه.

ويرى بعض الاقتصاديين أنه لا تتحقق التنمية الحقيقية والاستخدام الرشيد لعوامل الإنتاج إلا إذا كان سعر الفائدة صفرا،

ومما ذكروه من أسباب هذه الأزمة ما يلي:

يأتي أول الأسباب التي أدت إلى نشوء الأزمة المالية الحالية و هي الأوضاع المالية الأمريكية منذ عام 2000م ، فقد كانت هناك مجموعة أحداث متكررة خلال عامي 2000 ، 2001م شكلت نقطة دافعة لهذه الأزمة هي :

¨ أزمة الأسهم الصناعية و أسهم البرمجيات عام 2000 -2001م .

¨ أحداث 11 سبتمبر 2001م ، و ما نجم عنها من آثار اقتصادية و منها الركود الاقتصادي الذي ساد الولايات المتحدة الأمريكية اثر الأزمة ،

¨ رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في الخروج من الأزمة حيث شجعت على زيادة منح الائتمان إلى القطاع العقاري لإنعاش الاقتصاد فخفضت أسعار الفائدة إلى أدنى مستوى لها في ذلك التاريخ حوالي (1%) و أنشأت مؤسستين لشراء الرهون العقارية (فاني ماي ، فريدي ماك) مهمتها شراء الرهونات العقارية من البنوك و قد ساعد هذا في نشوء أمرين هما :

· إقبال البنوك على زيادة التمويل العقاري بضمان رهن تلك العقارات .

· مساعدة البنوك في التخفيف من عبء الرهونات العقارية المتعثرة .

العامل الثاني يكمن في عدم قدرة مؤسسات التمويل العقاري على القيام بعمليات الاستحواذ التي أعلنت عنها الحكومة الأمريكية أخيرا، وذلك بسبب عدم توافر التمويل اللازم للقيام بهذه العمليات، وهو ما أعطى مؤشرا سلبيا لأداء الاقتصاد الأمريكي.ويصل العدد الإجمالي لمؤسسات المال الواقعة تحت مظلة التأمين الفيدرالي إلى 1800 مؤسسة تستحوذ كلها على ما يقرب من 13 تريليون دولار من الأصول والممتلكات .

ويذكر أن إجمالي الدين الحكومي الداخلي والخارجي في الولايات المتحدة قد بلغ حتى الآن أكثر من 11 تريليون دولار. وتأتي الصين في مقدمة الدول الدائنة للولايات المتحدة حيث قدمت ما يقرب من 450 مليار دولار وتليها بريطانيا ثم اليابان ثم السعودية.

¨ ومن الاسباب اضطراب أسعار الصرف في الأسواق الدولية ، و ارتفاع أسعار السلع الإستراتيجية مثل النفط ، و السلع الغذائية خاصة القمح و السكر و أسعار السلع الصناعية مثل الحديد و الاسمنت و أسعار الذهب ، بل أن أسعار النفط وصلت في بداية شهر سبتمبر 2008م إلى (147) دولار و هو أعلى سعر وصلت إليه أسعار هذه المادة في التاريخ .

التصنيفات الائتمانية الخاطئة للمحافظ الاستثمارية من قبل مؤسسات التصنيف الدولية ، و بالتالي تراخت كثير من المؤسسات المالية و البنوك في الالتزام بمعايير منح الائتمان ، و لذلك كان من نتائج الأزمة اتخاذ الإجراءات الصارمة بحق المؤسسات التي تراخت في معايير منح الائتمان المصرفي ، بل أن المؤتمرات و الندوات التي عقدت عقب الأزمة أجمعت على أمرين اثنين هما :

1. لقد كانت الأزمة نتيجة لأخطاء ارتكبتها القيادات المصرفية داخل الجهاز المصرفي و خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية .

2. لا بد من اتخاذ إجراءات رقابية صارمة على عمليات البنوك ، و التركيز على تطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة.

¨ يقوم النظام المالي والمصرفي التقليدي على نظام جدولة الديون بسعر فائدة أعلى، أو استبدال قرض واجب السداد بقرض جديد بسعر فائدة مرتفع، كما كان المرابون يقولون في الجاهلية: ((أتقضي أم تربي))، وهذا يلقي أعباء إضافية على المقترض المدين الذي عجز عن دفع القرض الأول؛ بسبب سعر الفائدة الأعلى.

¨ يقوم النظام المالي العالمي ونظام الأسواق المالية على نظام المشتقات المالية التي تعتمد اعتمادا أساسيا على معاملات وهمية ورقية شكلية تقوم على الاحتمالات، ولا يترتب عليها أي مبادلات فعلية للسلع والخدمات، فهي عينها المقامرات والمراهنات التي تقوم على الحظ والقدر، والأدهى والأمَرُّ أن معظمها يقوم على ائتمانات من البنوك في شكل قروض، وعندما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ينهار كل شيء، وتحدث الأزمة المالية.

¨ من الأسباب كذلك سوء سلوكيات مؤسسات الوساطة المالية والتي تقوم على إغراء الراغبين (محتاجي) القروض والتدليس عليهم وإغرائهم، والغرر والجهالة بالحصول على القروض من المؤسسات المالية، ويطلبون عمولات عالية في حالة وجود مخاطر، والذي يتحمل تبعة ذلك كله هو المقترض المدين الذي لا حول له ولا قوة، وهذا ما حدث فعلا، وهو ما يقود في النهاية إلى الأزمة.

¨ يعتبر التوسع والإفراط في تطبيق نظام بطاقات الائتمان بدون رصيد (السحب على المكشوف)، والتي تحمل صاحبها تكاليف عالية وهذا من أسباب الأزمة، وعندما يعجز صاحب البطاقة عن سداد ما عليه من مديونية، زِيدَ له في سعر الفائدة، وهكذا حتى يتم الحجز عليه أو رهن سيارته أو منزله، وهذا ما حدث فعلا للعديد من حاملي هذه البطاقات وقادت إلى خلل في ميزانية البيت وكانت سببا في أزمة في بعض البنوك الربوية.

¨ زيادة أحجام المديونية أو ما يطلق عليه اسم الرافعة المالية ، فما هو المقصود بذلك؟ المبالغة بإصدار أسهم بقيم مالية مبالغ فيها عن القيمة الحقيقية للأصول التي تمثلها، ولكن يظل الأمر محدوداً، لأنه يرتبط بوجود هذه الأصول العينية ، أما بالنسبة للشكل الآخر للأصول المالية وهو المديونية، فيكاد لا توجد حدود علي التوسع فيها، وقد بالغت المؤسسات المالية في التوسع في هذه الأصول للمديونية، وكانت التجارب السابقة قد فرضت ضرورة وضع حدود علي التوسع في الإقتراض وربطه بالأصول المملوكة.

¨ مخالفة إتفاقية " بازل " للرقابة علي البنوك والتى تنص على حدود التوسع في الإقراض للبنوك بألا تتجاوز نسبة من رأس المال المملوك لهذه البنوك، فالبنك لا يستطيع أن يقرض أكثر من نسبة محددة لما يملكه من رأسمال وإحتياطي وهو ما يعرف بالرافعة المالية. ورغم أن البنوك المركزية تراقب البنوك التجارية في ضرورة إحترام هذه النسب، فإن ما يعرف بإسم بنوك الإستثمار في الولايات المتحدة لا تخضع لرقابة البنك المركزي!!!ومن هنا توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من " ستين ضعفاً " من حجم رؤوس أموالها كما في حالة" UBS"، ويقال إن الوضع بالنسبة لبنك ليمان براذرز كان أكبر، وهذه الزيادة الكبيرة في الإقتراض تعني مزيداً من المخاطر إذا تعرض بعض المدينين لمشكلة في السداد كما حدث بالنسبة للأزمة العقارية ،

¨ هشاشة الانظمة المالية ومعاناتها من مواطن ضعف صارخة تمثلت أهم مظاهرها في إنهيار بنوك دولية عملاقة في ظل إقتصاد يعاني اصلا من عجز في ميزانه التجاري إلى جانب العجز في الميزانية

¨ السياسات الخاطئة للولايات المتحدة الامريكية خلال السنوات الماضية التى شهد العالم خلالها طغيان هذه الدولة والظلم العالمى الذى مارسته ضد البشرية، الدور الاكبر فى ارتفاع حجم الإنفاق العسكري الذى تسبب بدوره فى إرتفاع حجم الديون الحكومية والتي قدرت حسب المصادر الأمريكية بنحو 11تريليون دولار وهي تشكل ما يزيد عن 65 % من الناتج المحلي الإجمالي ، كما قدره خبراء اخرون بواقع 380 الف دولار فى الدقيقة الواحدة .

¨ بلغت الديون الفردية 9.2 تريليون دولار تشكل الديون العقارية منها نحو 6.6 تريليون دولار ، كما بلغت ديون الشركات قرابة 18.4 تريليون دولار وبذلك فإن المجموع الكلي للديون يعادل 39 تريليون دولار أي ما يعادل 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي ، كما بلغت البطالة نحو 5 % ووصل التضخم إلى ما نسبته 4 % .كانت نسبة الفائدة في حينها متدنية مما شجع على زيادة وتطور هذه القروض فمنها ما تم منحة لغرض السكن أولغرض الإستثمار طويل الأجل أو المضاربة المرهونة .قامت المصارف بتحويل القروض الممنوحة إلى سندات متداولة في الأسواق المالية ( التسنيد ) من خلال البيع لشركات التوريق .تم ذلك باستحدام اجراءات و أدوات وتقنيات مالية معقدة تمثلت فى قيام البنوك ببيع الديون على شكل سندات الى مستثمرين اخرين الذين قاموا بدورهم برهن السندات لدى البنوك مقابل حصولهم على ديون جديدة لشراء المزيد من تلك السندات، وتكررت تلك العمليات (اى استخدام الديون للحصول على المزيد من الديون) ،.

توسعت الفجوة بين الإقتصاد الحقيقي والإقتصاد المالي ،لم يعد في مقدور الأفراد سداد ديونهم حتى بعد بيع عقاراتهم المرهونة فأصبحوا مكبلين بالإلتزامات المالية. في خطوة من البنوك لتعزيز مركز السندات ، تم التامين عليها من قبل شركات التامين المشهورةعلى ان يقوم حامل السند بدفع رسوم التامين عليها للحماية من افلاس البنك او صاحب البيت مما شجع على اقتناء المزيد من تلك السندات .

رغم هذه العمليات المعقدة وبسبب هبوط قيمة هذه العقارات بدءًا من عام 2007 اصبحت قيمتها اقل من قيمة السندات المتداولة والصادرة بشانها

نتيجة لتضرر المصارف الدائنة من عدم السداد هبطت قيمة أسهمها في البورصة وأعلنت عدة شركات عقارية وشركات تامين إفلاسها.

سيطر على أذهان المستثمرين حالة من عدم الثقة مما دفع في اتجاه قيام المودعين بسحب ودائعهم مما إنعكس سلباً على سيولة البنوك على الرغم من تدخلات البنوك المركزية والتي جاوزت ال 500 مليار دولار ، كما اصيبت الأسواق المالية بالشلل التام .

توالت الخسائر الإقتصادية الناتجة عن العجوزات ومنيت كثير من الأسواق بالخسائر وأصبح العامل النفسي مرتبط بالثقة في القطاع المالي برمته .

فقد المستثمر الثقة في الأسواق ولم يعد يصدق جدوى الأدوات المالية الحديثة والمتمثلة في عملية ( تسنييد الديون )

وهكذا نجد أن الأزمة المالية الحالية هي نتيجة للتوسع غير المنضبط في القطاع المالي في الولايات المتحدة ومن ورائه في بقية دول العالم المتقدم .

2) الوطن العربي

ويعود تأثر إقتصاديات العالم ومنه البلدان العربية بالأزمة المالية العالمية الى أسباب عدة منها :

1. اعتماد دول العالم ومنها الدول العربية على الدولار كغطاء نقدي لعملاتها مما يجعلها رهن التقلبات والتغييرات في الإقتصاد الأمريكي وخصوصاً بعد فك ارتباط الدولار عن الذهب في بداية سبعينات القرن الفائت .

2. ارتباط اقتصاديات العالم بالشركات المتعددة الجنسيات التي غزت العالم باسم العولمة مما جعل بعضها مجرد مزرعة للشركات الأمريكية الضخمة .

3. استثمار دول العالم ومنه الدول العربية في الأسواق والبورصات الأمريكية بمبالغ هائلة لا سيما في سندات الخزينة الأمريكية .

4. اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستورد لصادرات بعض الدول كالصين واليابان مثلاً مما يجعل اختلال الإقتصاد الأمريكي ودخوله في مرحلة ركود او كساد يؤدي الى تأثر اقتصاديات هذه الدول بصورة مباشرة وقوية .

5. الهيمنة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية على قطاع كبير من أنظمة الحكم في العالم سيما دول العالم الثالث ومنه الدول العربية مما يؤدي الى ارتهان مصير هذه الدول ونموها الأقتصادي بيد أصحاب القرار في واشنطن .

هذه بعض الأسباب التي عكست الأزمة المالية في أمريكا على العالم والدول العربية على وجه الخصوص.



تأثيرات الأزمة الاقتصادية

المحور الأول تأثر الدول الغربية بالأزمة المالية

أولا الآثار السلبية

تقرير للأمم المتحدة إن نمو الاقتصاد العالمي سيتباطأ إلى 1% في 2009 من 2.5% عام2008 بفعل تأثير الأزمة المالية العالمية بل وقد يحدث انكماش إذا اتضح أن حزم التحفيز كانت أقل مما ينبغي وبعد فوات الأوان، وحث تقرير "وضع وآفاق الاقتصاد العالمي 2009" الذي صدرت نسخة مبكرة منه في مؤتمر للتنمية استضافته الدوحة على برامج تحفيز عالمية منسقة للحد من تأثير التباطوء في اقتصادات الغرب على الدول الفقيرة، وكانت معدلات النمو العالمي في حدود 3.5% إلى 4% في الفترة من 2004 إلى 2007 ويقول التقرير أن المناخ الاقتصادي للدول النامية تدهور بشكل حاد، وقال التقرير "معظم الاقتصادات المتقدمة دخلت في ركود خلال النصف الثاني من 2008 وانتقل التباطوء الاقتصادي الى دول نامية واقتصادات في طور التحول، ومن شأن تنسيق تحفيز مالي واسع النطاق بين الاقتصادات الرئيسية أن يدرأ أسوأ ما في الأزمة لكنه لن يحول دون تباطؤ كبير للاقتصاد العالمي في 2010".

وقال صولاغ في تصريح للصحفيين على هامش المؤتمر " الأزمة لا تزال في بداياتها ونتوقع ان تكبر مثل كرة الثلج وعلينا رسم سياسات وضوابط جديدة للتصدي لها" .

قد لا أجانب الحقيقة إذا قلت أن اثر أي أزمة اقتصادية ، و في أي جانب من جوانبه ، أو قطاع من قطاعاته ، إنما ينصب في نهاية المطاف على التنمية و النمو الاقتصاديين ، فالأثر يكون على التنمية الاقتصادية في الدول النامية و أكثر ما يكون على النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة .

إن الأزمة المالية العالمية الحالية نشأت في القطاع العقاري ، و انتقلت منه إلى القطاع المصرفي ، ثم انتقلت منه إلى القطاعات الأخرى .

لقد كانت الأزمة اشد قسوة على التنمية الاقتصادية عندما انتقلت الأزمة إلى القطاع الحقيقي ، و بالخصوص قطاع السيارات الذي كاد أن ينهار رغم عراقته ، و قوته و ضخامته ، لكن وطأة الأزمة كانت فوق ذلك كله .

كان الأثر الأول المباشر على القطاعات الاقتصادية هو على اليد العاملة حيث حاولت المؤسسات من كافة القطاعات الاقتصادية أن تعيد هيكلة مواردها و استخداماتها ، و من ضمن البنود التي شملتها الهيكلة بقوة هو بنك الموارد البشرية ، و قد لاحظنا أن أعدادا هائلة من اليد العاملة أصبحت بدون أعمال و تذكر بعض التقارير و التحليلات أن بعض المؤسسات تخلصت مما يقرب من (50%) من اليد العاملة لديها ، و أصبحت طوابير اليد العاملة الباحثة عن العمل تملأ مكاتب العمل ، و قد ذكرت سابقاً أن الأمريكي الأبيض لأول مرة في حياته يترك مسكنه الفاخر و يقبل العيش في الخيام التابعة للمؤسسات الخيرية ، و لأول مرة ربما في تاريخ بريطانيا يقبل البريطاني أن يقف في الطوابير ساعات طويلة لطلب الدخول في مظلة الضمان الاجتماعي ، و تقدر بعض المصادر أن يصل عدد من فقدوا وظائفهم في عام 2009م إلى (210) مليون عامل ، و في الصين وحدها عاد قرابة (20) مليون عامل إلى الأرياف (28) .

و تذكر بعض التقارير أن معدل البطالة قد وصل في أمريكا إلى قرابة (10%) في ذروة الأزمة ووصل في بعض الدول الأوروبية إلى قريب من ذلك ، بل إن معدل الاستغناء عن العمالة ، و أرقام طالبي العمل ، و معدلات البطالة الشهرية كانت تتخذ مؤشرات بارزة على مدى استفحال الأزمة ، و على مدى صعوبة الخروج منها ، حتى أصبحت معدلات البطالة الهاجس اليومي للسياسيين قل الاقتصاديين.

من آثار الأزمة البارزة انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول دون استثناء ولكن بدرجات متفاوتة ، و كان مركز الأزمة قد أصاب الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا بالدرجة الأولى وتدنت فيها معدلات النمو إلى اقل من الواحد الصحيح .

لقد ترتب على ارتفاع معدلات البطالة و انخفاض معدلات النمو الاقتصادي انخفاض الدخول و ترتب عليها انخفاض معدلات الاستهلاك إلى مستويات متدنية لم يخدمها محاولات الإغراء من أصحاب المتاجر و أصبحت معدلات الاستهلاك احد مؤشرات تحرك الأزمة .

تزايد العجز والموازنات العامة لكثير من الدول ، و المعروف أن جزءاً كبيراً من الدخول يتولد عن النفقات الحكومية ، ومع تفاقم آثار الأزمة خفضت كثير من الدول نفقاتها العامة ، و ترتب على ذلك المزيد من الضغوط على الدخول كما تراجعت كثير من الدول عن إقامة مشروعات البنية الأساسية.

تزايد مديونيات بعض الدول ، خاصة تلك الدول التي كانت تعتمد على تصدير السلع الخام إلى الأسواق الدولية مثل النفط و السكر و القمح و الكاكاو ، و بعض المنتجات الأولية .

انخفاض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوى لها منذ أزمة الكساد العظيم في عام 1929م و ترتب على ذلك تآكل الثروات و انخفاض عوائدها .

انخفاض قيمة الأصول المالية خاصة الأسهم و السندات ، و انخفاض عوائدها و ترتب على ذلك تفاقم مشكلة الدخول ، و تزايد ديون الأفراد و المؤسسات .

لقد أصبحت آثار الأزمة تشكل حلقات مترابطة كل حلقة تمسك بالأخرى و هذا هو الشأن الاقتصادي ، و هو يشبه لعبة الدومينو ، فيكفي أن تصرع أيقونة واحدة حتى تصرع أخواتها واحدة تلو الأخرى ، و هذا الذي حدث في هذه الأزمة حيث صرع قطاع العقارات بقية القطاعات .

إنخفاض قيمة العملة المحلية إذا كانت مرتبطة بالدولار .

حدوث انكماش وكساد خطير في المستقبل .

التركيز نـحو إنقاذ الصناعية المالية في العالم مما يؤدى إلى خفض مستوى المساعدات الإنسانية للدول النامية .

ظهور أزمة في قطاع التسليف عن طريق بطاقات الائتمان وارتفاع في معدلات تخلف الشركات عن سداد ديونها. وهذه كلها بوادر لعملية تباطؤ اقتصادي قد تطول أو تقصر بحسب السياسة المالية والنقدية للولايات المتحدة. وسيشعر القائمون على السياسة النقدية في دول المنطقة أنهم مضطرون لمجاراة السياسة النقدية التوسعية التي أخذت الولايات المتحدة باتباعها أخيراً، وهذا سيؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة المحلية وأسعار صرف العملات العربية المرتبطة بالدولار وسيزيد من الضغوط التضخمية التي ظهرت مؤخراً في عدد من دول المنطقة.

ثانيا الآثار الإيجابية

قد يظن بعضهم أن الأزمة المالية العالمية التي عصفت باقتصادات العالم أجمع كانت كلها شرا، بما حملته من آثار سلبية هائلة طالت الجميع سواء من شاركوا فيها وصنعوها بأيديهم القذرة ونفوسهم الخبيثة، أو المساكين الأبرياء في جميع أنـحاء الدنيا الذين دفعوا ,وما زالوا يدفعون الثمن لذنب لم يرتكبوه أو يشاركوا في صنعه بأي صورة من الصور سواء بشكل مباشر أو غير مباشر،

لكن وسط كل هذا الشر هل يوجد أي أثر إيجابي للأزمة المالية العالمية الحالية

للوهلة الأولى قد تكون الإجابة هي: كيف يكون لمثل هذه الأزمة الطاحنة بكل ما خلفته من مآس آثار إيجابية؟ غير أن الإجابة عن هذا السؤال هي بالتأكيد نعم، هناك عديد من الآثار الإيجابية للأزمة المالية الحالية التي سنحاول اختصارها في هذه الدراسة بصفة خاصة ما أسفرت عنه الأزمة من تنبيه العالم إلى هشاشة النظم المالية الحالية وضعف أسس هذه النظم، وأن الموجة التي سادت العالم بضرورة التحرير الكامل للنظم والأسواق وفض دور الدولة، وإفساح المجال لقوى العولمة، تحتاج إلى وقفة ومراجعة شاملة. بشكل عام تولد عن الأزمة عديد من الآثار الإيجابية التي يمكن اختصارها فيما يلي:

إصلاح النظام المالي: لقد أملت الأزمة بما تركته من آثار هائلة وما كشفت عنه من حقائق مذهلة حول مسبباتها، ضرورة الحاجة إلى إصلاح النظم المالية الحالية في العالم، حيث كان أحد الأسباب الجوهرية للأزمة أن المؤسسات المالية لا تقدر حجم المخاطر التي تتحملها، حيث كانت نظم إدارة المخاطر غير كافية، ونسب رؤوس الأموال والسيولة غير مناسبة، وعلى الرغم من أن بعض الإشارات الأولية كانت تؤكد قرب وقوع أزمة طاحنة ظهرت في كتابات بعض المراقبين مثل كتاب ''البجعة السوداء'' لنسيم طالب، فإنه ومع الأسف الشديد لا المؤسسات المالية ولا السلطات النقدية قامت بتحديد نقاط الضعف هذه، أو عملت على علاجها بالسرعة الكافية. لقد أدركت دول العالم أهمية إعادة إصلاح النظام المالي المتسيب نسبيا، وضرورة التأكد من وجود عدد من نقاط الأمان والسيطرة في النظام تعمل بمثابة نظام ''للإنذار المبكر'' لتساعد على الكشف عن أهم مواطن الخلل قبل حدوثها بوقت كاف للحيلولة دون تكرار حالات تكون الفقاعات المالية وبما يسمح بالتدخل في التوقيت المناسب قبل انفجار تلك الفقاعات لتجنب ما يمكن أن ينجم عنها من آثار.

وتتم عملية إصلاح النظام المالي حاليا على مستويين،

المستوى الأول هو المستوى القطري، حيث تحاول كل دولة أن تقوم بعلاج نقاط الضعف الكامنة في نظامها المالي لتجنب احتمالات تكون الفقاعات المالية وتفادي تكوين محافظ أصول مرتفعة المخاطر، ومحاولة القضاء على الحوافز نحو تضخيم الأصول المالية من خلال السيطرة على مدفوعات المكافآت الإضافية التي يتلقاها العاملون في القطاع المالي،

المستوى الثاني وهو المستوى الأصعب نسبيا، فيتمثل في محاولة إصلاح النظام المالي الدولي، وذلك لضمان شيوع قواعد شبه موحدة تلتزم بها النظم المالية في دول العالم كافة، وذلك من خلال سعي دول العالم نحو زيادة التنسيق الدولي في هذا المجال، ومما لا شك فيه أن نجاح جهود إصلاح النظم المالية على المستوى القطري ستؤدي إلى جعل عملية إصلاح النظام المالي على المستوى الدولي مهمة أسهل، ذلك أن النظم المالية الوطنية هي جزء من شبكة النظام المالي الدولي، ومن ثم فإن التنسيق والاتفاق، على الأقل بين الدول صاحبة المراكز المالية الدولية الرئيسية، وذلك في إطار مؤسسي يضم المنظمات المتعددة الأطراف، بصفة خاصة صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية ومجلس الاستقرار المالي الدولي، يعد شرطا أساسيا لنجاح تلك الجهود. أعتقد أن المشكلة الأساسية التي سيواجهها العالم في هذا الصدد تتمثل في اختلاف فلسفة التعامل مع القطاع المالي من نظام مالي إلى آخر واختلاف درجة تطور النظم المالية وتعدد منتجاتها وآلياتها وسبل تنظيمها بصورة واضحة من دولة إلى أخرى، الأمر الذي سيجعل من مهمة التوصل إلى قواعد شبه موحدة في التنظيم والسيطرة والرقابة ومتابعة أعمال القطاع المالي مهمة ليست سهلة على النطاق العالمي.

من ناحية أخرى, فإن جهود إصلاح النظام المالي يجب هندستها بالطريقة التي لا يترتب عليها ارتفاعا في تكلفة الائتمان على المستوى الدولي حتى لا ينعكس ذلك سلبا على معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وبصفة خاصة أن يضمن ذلك استمرار تدفق الموارد المالية اللازمة لدول العالم النامي، ومن المؤكد أن هناك ضرورة للإسراع في تنفيذ هذه المهمة، ذلك أن عنصر الوقت ليس في مصلحة عملية الإصلاح، فكلما طال الوقت اللازم لمناقشة وصياغة وتنفيذ مقترحات إصلاح النظام المالي العالمي، قل حماس العالم نحو بذل الجهد اللازم للإصلاح، وأخشى ما أخشاه أنه ربما يأتي وقت تعتبر فيه الأزمة وكأنها جزء من التاريخ الذي يعتقد أنه لن يتكرر مرة أخرى، وهو ما يترتب عليه فتور همة العالم نحو إصلاح النظام المالي العالمي، على الرغم من أن الجميع يتفق على أهمية سرعة التعاون والتنسيق في هذا المجال.

المحور الثاني تأثر الدول العربية بالأزمة المالية

أولا الآثار السلبية

أما عن آثار هذه الأزمة على الدول العربية فلإلقاء الضوء على هذه الآثار يمكن أن نقسم الدول العربية من حيث حجم تأثرها بهذه الأزمة إلى قسمين رئيسيين ، وهما : الدول النفطية الغنية ممثلة بدول مجلس التعاون الخليجي والتي نالت حصة الأسد من تأثير هذه الأزمة على الدول العربية ، والدول غير النفطية المتبقية سواء الفقيرة منها أو متوسطة الدخل وكان تأثرها أقل نسبة للقسم الأول . أما تأثير الأزمة على الدول النفطية الغنية التي صنفها البعض بأحد أكبر الخاسرين عالمياً جراء هذه الأزمة فتتمثل في الأمور التالية :

1. تعرضها للخسارة المالية جراء استثمار أموالها في المؤسسات المالية الأمريكية وقد قدرت بعض الإحصائيات الخسائر التي لحقت بدول الخليج جراء الأزمة الراهنة بحوالي 2.2 تريليون دولار وهذا الرقم هو أكثر من ضعف ناتج دول الخليج المحلي البالغ 900 مليار دولار . فقد صرح الأمين العام لمجلس الوحدة ألاقتصاديه العربية أحمد جويلي بتاريخ 29 تشرين ثاني ونشرته صحفية ("الحياة" اللندنية) بأن الخسارة المتوقعة للاقتصاد العربي نتيجة ألازمه المالية العالمية يبلغ نحو 2.5 تريليون دولار أميركي .

2- ويذكر أن الصناديق السيادية التابعة لدول الخليج والتي تتكون من عائدات النفط والاحتياطيات النقدية الأجنبية قد خسرت وفق بعض التقديرات والإحصائيات ما يقارب 400 مليار دولار ، وتملك دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر صندوق سيادي في العالم بمبلغ قدره 968 مليار دولار ، والسعودية 370 مليار ، والكويت 264 مليار ، ولقطر وعمان والبحرين صناديق سيادية بمبالغ أقل من نظرائها . وتعود خسارة هذه الصناديق إلى الاستثمارات في كثير من المؤسسات والبنوك الأمريكية التي تعرضت للأزمة بصورة شهر سبتمبر لوحده واستمرت الخسارة في الأشهر التي تلتها .

3- انخفاض سعر برميل النفط مما يؤدي إلى اختلال في التوازن الاقتصادي وتقليل حجم النمو فقد توقع أحمد الجويلي في التصريح السابق تقلص نسبة النمو في الدول العربية بسبب انخفاض سعر النفط من 5% الى 3% ، كما أن انخفاض سعر برميل النفط أثر على ميزانيات دول الخليج لعام 2009 وعلى الخطط العشرية لهذه الدول التي بنتها على توقع أن يكون الحد الأدنى للبرميل يتراوح بين 80 و 90 دولار ، و إنخفاض سعر برميل النفط سيؤدي إلى تقلص النفقات الحكومية مما سيصيب قطاعاً عريضاً من أوساط الناس في مجالات الصحة والتعليم والغذاء ، هذا وتوقعت مؤسسة ميريل لينش المصرفية الأميركية، تهاوي أسعار النفط، إلى حوالي 25 دولاراً فقط للبرميل ، وأرجعت المؤسسة هذه التوقعات إلى تقلص الطلب على النفط في الدول الكبرى المستهلكة لهذه السلعة الإستراتيجية وعلى رأسها الولايات المتحدة، جراء الركود الاقتصادي .

4-تعطل وتعرقل بعض من المشاريع الضخمة سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة وكذا بقية دول الخليج والتي تقوم بها كبرى الشركات العقارية والشركات النفطية التي تأثرت تأثراً كبيراً بالأزمة حتى أن أسهمها قد فقدت أكثر من ربع قيمتها إلى الآن، كما أن ارتفاع أسعار مواد البناء أدى إلى زيادة باهظة في تكاليف المشاريع الجديدة.

5-الأتاوات التي تفرضها الدول الكبرى على دول الخليج القاضية بضرورة تقديم المعونات المستعجلة للدول الكبرى ومؤسساتها المالية المتعثرة ، بإعتبار هذه الدول مخزناً للنفط والمال وتمثل ذلك في الجولة الخليجية التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني غوردن بروان بتاريخ 2/11/2008 وزيارة نائب وزير المالية كيميت التي سبقتها بتاريخ 28/10/2008 ، وبسبب الضعف السياسي التي تعانيه الدول العربية وارتباطها سياسياً وإقتصاديا بالغرب فقد استجاب الحكام وأصحاب القرار لهذه الضغوط الغربية حتى وصل الحال ببعض المسؤولين الخليجيين بالتصريح قائلاً أن إنقاذ الإقتصاد الأمريكي يمثل دعماً للإقتصاد المحلي ، ولا شك أن هذه الأتوات تلقي بكاهلها الثقيل على الأقتصاد المحلي فبدل أن تقدم هذه الحكومات الأموال لإنقاذ مؤسساتها وشركاتها المتعثرة والتي تعاني من آثار الأزمة العالمية تقدمها هذه الدول للشركات الأمريكية والأوروبية ودعماً للإقتصاد الغربي . وبالمجمل فقد قدر بعض الخبراء الإقتصاديين الخسائر التي تعرضت لها دول الخليج بـ 50% من استثماراتها المحلية والدولية على مستوى الدول والأفراد. أما تأثير الأزمة المالية على بقية الدول العربية فهي وإن كانت أقل تأثراً بهذه الأزمة بسب عدم ولوغ هذه الدول في التجارة العالمية بسبب فقرها وضعفها الإقتصادي فهي تشترك مع غيرها من دول الخليج في بعض الآثار وتفترق عنها في أمور أخرى

ثانيا الآثار الإيجابية

على الرغم من السلبيات والنظرة المتشائمة على الإقتصاديات سواء كانت عينية أم مالية لدى الدول والحكومات إلا أنها حملت في طياتها إيجابيات للمجتمع ومن أهم تلك الإيجابيات :

- إنخفاض الأسعار بشكل ملحوظ .

حيث إنخفض سعر برميل النفط من 140دولار إلى مستوى 40 دولار حاليا بإنخفاض قدره حوالي 70 % مما أدى إلى انخفاض أسعار مواد أخرى .

إنخفض سعر الحديد بإنخفاض قدره 50% .

- تراجع معدل التضخم حتى وصل إلى أدنى مستوى.

- الجدير بالذكر انه بناء على تراجع التضخم خفض البنوك المركزية في الوطن العربي سعر الفائدة مما سيدعم الإقتصاد الوطني عن طريق زيادة الإستثمارات .

- ومع الرغم من تضرر الدولة من تلك الأزمة إلا أنها ستكون مستفيدة أيضا من إنخفاض الأسعار وبالتالي إنخفاض الدعم .

- الأزمة المالية الحالية هي عبارة عن فرصة يجب إكتسابها وتكوين مراكز جديدة سواء كان بالإستثمار المباشر بتكوين شركة جديدة أو شراء شركة متعسرة بأسعار متدنية للغاية عن سعرها الحقيقي أو بالإستثمار الغير مباشر في البورصة .

- كما حدث في أزمة 1997 في دول شرق آسيا " لنمور الآسيوية " فعند إنخفاض الأسعار قامت الشركات ورجال الأعمال الأوروبيون والأمريكيون بشراء شركات آسيوية متعثرة بأقل من السعر الدفتري لها .

الدروس المستفادة من الأزمة المالية

- عدم إتباع الدول الأمريكية و الأوروبية في كامل النظم المالية والإقتصادية بل يجب علينا أن نتخذ كل ما هو مناسب لنا وأن يكون لنا المنهج المالي والإقتصادى الواضح وفق الشريعة الإسلامية.

- أهمية دور الحكومة في الرقابة المالية والإقتصادية وعدم إتباع نظم التطرف الإقتصادى سواء كانت رأس مالية أو إشتراكية أو غيرها من النظم الإقتصادية .

- عدم إقراض أموال لبنوك خارجية وإستغلالها لأهداف التنمية في الدول العربية.

- عدم إقراض البنوك أشخاص لا يتمتعون بذمة مالية قوية تجعلهم على إستعدادس للوفاء بسداد ديونهم للبنك .

- عدم إستخدام الأموال المقترضة في إصدار أوراق مالية وسندات جديدة .

- ضرورة التعامل على الإقتصاد العيني لا المالي أي التوعية بأن النقود ليست هي الغاية المرجوة ولكن وسيلة لتحقيق الرفاهية الإقتصادية .

- ضرورة إتحاد قوى إقتصادية عربية لمواجهة التكتلات والإندماجات الدولية .

- توعية المجتمع بأهمية البنوك في الحياة الإقتصادية وبناء الثقة في الؤسسات المالية .

- ضرورة إخضاع جميع البنوك لسلطة البنك المركزي وعدم السماح بأى حال من الأحوال بإنشاء بنوك على غرار البنوك الإستثمارية الأمريكية تحت أي مسمى .

- خصخصة إدارات البنوك والشركات وليست خصخصت الملكية ورأس المال .

- ضرورة إعداد دراسات عن الأجواء العالمية المحيطة وإعداد الخطط لتفادى الأزمات و كيفية الخروج من تلك الأزمات بدون خسارة ، بل و إستغلال هذه الأزمات لتحقيق الطموحات الإقتصادية للدولة وأيضا لتجنب مثل تلك الأزمات والأخطـاء في المستقبـل .

المحور الثالث تأثير الأزمة المالية على البورصات العالمية والعربية

الأسباب الرئيسية لتراجع البورصات

زادت الأمور توترا بعد فشل بنكي الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي في التخفيف من حدة تراجع المؤشرات على الرغم من ضخ نحو 121.6 مليار دولار لطمأنة المستثمرين ووقف نزيف التراجع، حيث إنه خلال يوم واحد من التعامل فقد مؤشر داو جونز قرابة 400 نقطة في حين تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز بواقع 150 نقطة.

ومن المعروف أن السوق الأمريكية ترتبط إرتباطا عضويا بالإقتصاد الأوروبي والآسيوي، بمعنى أن الشركات الصناعية في هذه الدول تعتمد بنسبة تتعدى 70% على ترويج منتجاتها داخل السوق الأمريكية، وفي حالة تراجع نشاط الإقتصاد الأمريكي تعاني هذه الشركات من إنخفاض حجم مبيعاتها وتراجع ربحيتها، وعندما تظهر مؤشرات على هذا التراجع مثلما حدث خلال الأسابيع الماضية تبدأ البورصات العالمية في الإنحدار والتقهقر، نظرا لأن صناديق الإستثمار ومؤسسات رأس المال تبدأ في التخلص عما بحوذتها من أسهم، مما يؤدي إلى تراجع القيمة السوقية للأسهم وإنخفاض أسعارها على المستوى العالمي، أخذا في الاعتبار أن مؤسسات المال العالمية سواء كانت أمريكية أو أوروبية تحرص على تنويع محافظها المالية عن طريق الإستثمار في كافة بورصات الأوراق المالية بما فيها البورصات الناشئة، وذلك لتقليل درجة المخاطر المترتبة على تراجع الأسهم في أي من البورصات العالمية.

والعاصفة لم تهدأ بعد تواصل إقتلاع مؤسسات أخرى في مقدمتها المجموعة الأمريكية العالمية التي تعد واحدة من أكبر شركات التأمين في العالم التي بدأت تترنح مع خسارة أسهمها لنحو 61% من قيمتها.

كما أن أعراض العدوى بدأت تصيب عددا من المؤسسات الأخرى مثل بنك واشنطن ميوتوال ونزلت قيمة أسهم جنرال إليكتريك وتملك الخوف باقي البنوك التي بدأت تضيق الخناق على عمليات الإقراض مما يهدد المحرك الرئيسي للإقتصاد الأمريكي المتمثل في الائتمان فيما بلغ الدولار أضعف حالاته أمام الين الياباني منذ نحو 10 سنوات.

وتراجعت أسهم سيتي جروب ، وتلاه بنك أوف أمريكا بنسبة وخسرت أسهم أمريكان إكسبريس، أكبر شركات بطاقات الإئتمان الأمريكية، كما هبطت أسهم جولدمان ساكس وتراجعت أسهم جي بي مورغان تشيسآند كومباني ، أما مورجان ستانلي أكبر شركات التعامل في الأوراق المالية للخزانة الأمريكية، فقد هبطت ايضاً بنسب كبيرة .

الجدير بالذكر أنه قد إختفى 11 بنكا من الساحة، من بينها بنك إندي ماك الذي يستحوذ على أصول بقيمة 32 مليار دولار وودائع تصل إلى 19 مليار دولار.

وتوقع كريستوفر والين، العضو المنتدب لشركة أبحاث " تحليلات المخاطر المؤسسية " أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنك تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار وذلك بحلول منتصف العام القادم.

ويصل العدد الإجمالي لمؤسسات المال الواقعة تحت مظلة التأمين الفيدرالي إلى 1800 مؤسسة تستحوذ كلها على ما يقرب من 13 تريليون دولار من الأصول والممتلكات .

على أية حال فإن الأزمة الراهنة هي في الواقع جزء من أزمات أكبر ضربت النظام المالي الأمريكي في السنوات الأخيرة وكانت قد بدأت بإنفجار فقاعة " الدوت كوم " إلى ذوبان قطاع العقارات، والإنتهاء بإفلاس مصارف كبرى كانت معتمدة على هذين القطاعين.

مؤشرات البورصات العالمية

من أبرز الأزمات التى حملتها الأزمة المالية فى طياتها هى تدهور أسواق المال العالمية من أهمها البورصات الأمريكية والأوروبية والآسيوية والمصرية والعربية

البورصة الأمريكية

فلقد تأثرت سوق الأسهم الأمريكية بدرجة كبيرة من جراء الأزمة المالية مما أدى إلى هبوط المؤشرات بدرجات كبيرة ؛ ومن أهم المؤشرات الأمريكية هى :

NASDAQ Composite Stock Index

فلقد هوى مؤشر ناسداك من نقطة 2300 التى كان قد وصل إليها فى شهر فبراير 2008 إلى 1532 فى شهر فبراير 2009 والي 1200 نقطة في 2010

Dow Jones Industrial Average Stock Index

أما مؤشر داوجونز فقد هوى من نقطة 12100 فى شهر فبراير 2008 إلى نقطة 7950 فى شهر فبراير 2009 والى 6000 نقطة في2010

S&P 500 Stock Index

اما مؤشر ستاندرد آند بورز فقد هوى من نقطة 1300 فى فبراير 2008 إلى نقطة 834 فى فبراير 2009 والى 500 نقطة في 2010

الأسواق الأوروبية

فلقد هوت أسواق المال الأوروبية متاثرة بالأزمة المالية الأمريكية على غرار البورصة الأمريكية

ومن أهم البورصات الأوروبية التى تأثرت بالأزمة :

بورصة لندنFTSE 100 Stock Index

ولقد تاثرت أيضا بورصة لندن بسبب الأزمة المالية الأمريكية وقد هوى مؤشر البورصة الرئيسى من 5700 فى شهر فبراير 2008 إلى 4200 فى شهر فبراير 2009 والى 3000 في 2010.

البورصة الألمانيةDAX Stock Index

ولقد تأثرت البورصة الألمانية بالأزمة المالية وقد هوى مؤشر البورصة ليسجل 4500 نقطة فى شهر فبراير 2009 بعدما كان 6500 نقطة فى شهر فبراير 2008 والى 3100 نقطة في 2010.

البورصة الفرنسية CAC 40 Stock Index

ولقد تأثرت البورصة الفرنسية بالأزمة المالية فلقد هوى موشر البورصة ليسجل 3000 نقطة فى شهر فبراير 2009 بعد ما كان 4700 فى شهر فبراير 2008 والى 1800 نقطة في 2010

الأسواق الآسيوية

فلقد هوت أسواق المال الآسيوية متأثرة بالأزمة المالية الأمريكية على غرار البورصة الأمريكية

ومن أهم البورصات الأسيوية التي تأثرت بالأزمة :

البورصة اليابانية Nikkei 225 Stock Index

أما البورصة اليابانية فقد هوت أيضا متأثرة بالأزمة المالية على غرار البورصات العالمية الأخرى فقد هوى مؤشر البورصة اليابانية من نقطة 13000 فى شهر فبراير 2008 إلى نقطة 7800 فى شهر فبراير 2009 والى5800 نقطة في 2010.

البورصة الصينيةHang Seng Stock Index

ولقد تأثرت البورصة الصينية بالأزمة المالية فلقد هوى موشر البورصة ليسجل 13600 نقطة فى شهر فبراير 2009 بعد ما كان 23000 فى شهر فبراير 2008 والى 8000 نقطة في2010.

بورصة سنغافورةStraits Times Stock Index

ولقد تأثرت بورصة سنغافورة بالأزمة المالية فلقد هوى موشر البورصة ليسجل 1650 نقطة فى شهر فبراير 2009 بعد ما كان 2900 فى شهر فبراير 2008 والى 900 نقطة في 2010
اخيرا : آثار الأزمة المالية العالمية الحالية على المصارف الإسلامية
أثبتت أحداث الأزمة المالية العالمية الحالية و نتائجها أن المصارف الإسلامية كانت اقل تأثراً بالأزمة من المصارف التقليدية رغم أن المصارف الإسلامية تؤدي نفس الخدمات المصرفية ، التي تقدمها المصارف التقليدية ، بل إنها تزيد عليها في الجوانب مثل تقديم بعض الخدمات الاجتماعية ، مثل القيام بجمع الزكاة و توزيعها ، و القرض الحسن ، و الإنظار إلى ميسرة و غير ذلك من الخدمات المرتبطة بالجانب العبادي ، باعتبار أن المصارف الإسلامية تقوم بأنشطتها وفقاً لمقتضيات الشريعة الإسلامية .
لقد بدا واضحاً للعيان أن المصارف الإسلامية كانت الأقل تأثراً بهذه الأزمة مقارنة بالمصارف التقليدية أو المؤسسات المالية الأخرى ، و يعود الفضل في ذلك إلى أحكام الشريعة الإسلامية لا إلى المصارف ذاتها ذلك أن الشريعة الإسلامية قد ضبطت عمليات التعامل بالمال على المستوى الفردي و على المستوى الجماعي و اعتبرت المال مال الله تعالى ، و أن الإنسان مستخلف في التصرف بهذا المال وفق مشيئة المستخلف الذي هو الله سبحانه و تعالى ، و أجرت على هذا المال الأحكام الشرعية التي هي الحل و الحرمة ، و الكراهية و الاستحسان و الوجوب ، كما أن حفظ المال جعل احد مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة و هي حفظ النفس و الدين ، و العقل و المال و النسل .
إن المتتبع للأدلة الشرعية المرتبطة بإدارة المال و تنميته و حفظه في القران الكريم و السنة النبوية المطهرة و مصادر الشريعة الأخرى ، و قواعد الفقه الإسلامي سيجدها كثيرة و أهمها :
1-قوله تعالى (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) فاطر 39، و قوله تعالى (و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) الحديد 7 ، و قوله تعالى (و آتوهم من مال الله الذي آتاكم) النور (33) .
2-في السنة النبوية المطهرة قوله صلى الله عليه و سلم (لا تزل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عمره فيما أفناه و شبابه فيما أبلاه و علمه ماذا عمل به و ماله من اين اكتسبه و فيما أنفقه) .
3-و من القواعد الفقهية قاعدة (لا ضرر و لا ضرار) ، و قاعدة (الضرر يزال) و قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) .
و في الجانب الاقتصادي فقد نظمه الإسلام تنظيماً دقيقاً مع بداية نشوء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ، فعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة شكا إليه أصحابه جور اليهود في التعامل مع العرب و المسلمين في السوق الذي كان يقع في حي لليهود ، فقالوا له : يا رسول الله إن اليهود يسوموننا الخسف و يفرضون علينا الإتاوات في سوقهم ، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ارض فسيحة خارج عمران المدينة المنورة ، و ضرب صلى الله عليه و سلم برجله على الأرض و قال (هذا سوقكم فلا تسامون فيه و لا تفرض عليكم الإتاوات ) .
عندما بدأ بتشكيل هيكل الدولة الإسلامية في المدينة المنورة ، بدأت تنزل آيات الأحكام ، و قد وضعت مجموعة من الأحكام في الجانب الاقتصادي هي :
1-تحريم بيوع الربا ، و اعتبار التعامل به من الموبقات السبع قال تعالى (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله ) البقرة (277-278)، و قال صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا السبع الموبقات ، و ذكر منها الربا) .
2-تحريم بيوع الغرر سواء كان الغرر في السعر أو الوصف .
3-تحريم الاحتكار .
4-وضع نظام الحسبة و هي نظام مراقبة السوق ، و هو نظام المواصفات و المقاييس في وقتنا الحاضر و اعتبار نظام الحسبة في الشريعة الإسلامية يقوم على قاعدة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجال الاقتصادي
إن السؤال الذي يضع نفسه هو هل فعلاً : أن المصارف الإسلامية لم تتأثر أم أن تأثرها كان محدوداً بالقياس إلى تأثر المصارف التقليدية و هل تأثرها – إن وجد – مباشر أو غير مباشر و هل تأثرها كان بحكم الوضع العام لآثار الأزمة أم بحكم استثماراتها المباشرة بالقطاع العقاري ؟
هذه الأسئلة سيتم مناقشتها و الإجابة عليها فيما يلي :
1- لا بد إن يعرف القارئ الكريم إن الفرق الأساسي بين عمل المصارف التجارية التقليدية و المصارف الإسلامية هو إن المصارف التجارية التقليدية تعتمد على المتاجرة بالنقود بينما تعتمد المصارف الإسلامية على المتاجرة بالسلع ، و يترتب على ذلك إن النقود لا تلد نقوداً ، بينما السلع تلد سلعاً أخرى ، كما يترتب على ذلك إن المتاجرة بالنقود تدخلنا في الاقتصاد الوهمي بينما تدخل المتاجرة بالسلع في الاقتصاد الحقيقي و هذا الأمر هو ما عبر عنه احد الاقتصاديين الدوليين بقوله إن (98%) من الاقتصاد الوضعي هو اقتصاد وهمي ، و إن (2%) فقط من النقود هي التي يقابلها أصول (سلع) ، بينما في عمليات المصارف الإسلامية نجد إن النقود التي يتم التعامل بها يقابلها أصول من السلع و الخدمات بنسبة (100%) .
2- إن الذي جنب المصارف الإسلامية التأثر المباشر بالأزمة هو عدم تعاملها بالبيوع المحرمة شرعاً ، و هي بيوع الربا و بيع الغرر بينما نجد إن المصارف التجارية التقليدية أغلب عملياتها تتم عن طريق بيوع الربا أي بيع النقود مقابل سعر فائدة (زيادة من نفس الجنس مقابل الأجل) ، عن طريق الإقراض المباشر للنقود مقابل فائدة مصرفية مشروطة مسبقاً مرتبط معدلها بالزمن ، كما أنها تتعامل ببيوع الغرر خاصة في المشتقات المالية و البيوع الآجلة و بيع الرهونات العقارية و بيع الديون (بيع الكالئ بالكالئ )، و هي العمليات التي كان أساس حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية ، و تعد المشتقات المالية و البيوع الآجلة أساس الاضطراب في البورصات . فالمشتقات المالية و البيوع الآجلة تنطوي على غرر فاحش من وجهة نظر الشريعة الإسلامية .
3-هل معنى ما سبق إن المصارف الإسلامية لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية الحالية ؟
إن الواقع المشاهد أن المصارف الإسلامية قد تأثرت بالأزمة من خلال عدة أوجه بطريقة مباشرة و غير مباشرة كالتالي :
أ‌-أن المصارف الإسلامية التي تأثرت بطريقة مباشرة هي تلك المصارف التي كان لها استثمارات في البورصة العالمية عن طريق المحافظ الاستثمارية الدولية أو صناديق الاستثمار الدولي و هذا القسم من المصارف الإسلامية لا شك انه قد تأثر بالأزمة خاصة تلك المصارف التي كانت مشتركة أو مستثمرة في محافظ أو صناديق استثمار مرتبطة بالقطاع العقاري إلا إن تلك الاستثمارات كانت محدودة ، و لم تؤثر على مراكزها المالية ، كما لم تؤثر على ربحيتها كثيراً .
ب‌-القسم الآخر من المصارف الإسلامية هي تلك المصارف التي تأثرت بالأزمة بطريقة غير مباشرة نتيجة لأثر الأزمة على جميع القطاعات الاقتصادية دون استثناء بدرجات متفاوتة ، إلا إن القطاع المالي و المصرفي كان أكثر القطاعات تأثراً بالأزمة و من ثم فقد شملها الأثر مثلها مثل أي مؤسسة اقتصادية تأثرت بالوضع العام من الأزمة إلا إن الأمر الذي يمكن التأكيد عليه هو إن تأثرها كان محدوداً كما إن أي منها لم يتعرض لإفلاس أو صعوبات مالية استدعت تدخلاً من المصارف المركزية بسبب الأزمة كما إن بعضاً من التأثر كان ايجابياً مثل زيادة ودائع المصارف الإسلامية .
و طالما أن المصارف الإسلامية قد تأثرت بالأزمة فيا ترى ما هي أوجه التأثر ، و هل هي ايجابية أم سلبية ؟ و هذا ما سنتناوله فيما يلي :
أولاً : الآثار الايجابية :
1-إن أول اثر ايجابي في جانب المصارف الإسلامية هو بروز ظاهرة المصارف الإسلامية و اعتراف المجتمع الدولي بها ، و إفساح المجال لعملها بل و الإشادة الدولية بها ، فقد قالت وزيرة المالية الفرنسية كريستانلاغارد (سأكافح لاستصدار قوانين تجعل المصرفية الإسلامية تعمل بجانب المصرفية التقليدية في فرنسا) ، و قال وزير المالية البريطاني في مؤتمر المصرفية الإسلامية الذي عقد في لندن بعد شهر رمضان  2009م ، (إن المصرفية الإسلامية تعلمنا كيف يجب أن تكون عليه المصرفية العالمية ) ، بل إن الأزمة المالية العالمية الحالية قد اظهر هشاشة النظام الاقتصادي الرأسمالي ، ففي المؤتمر الذي عقد في باريس عقب الأزمة في 19/9/2008م للزعماء الغربيين اجمعوا بأن النظام المالي الحالي لم يعد صالحاً ، و قال رئيس صندوق النقد الدولي أن الحديث عن النظام المالي الحالي ينبغي أن يكون حديث من الماضي  .
2-انتشار المصارف الإسلامية الجديدة ، و تحويل كثير من المصارف التقليدية إلى مصارف إسلامية ، و قيام المصارف التجارية التقليدية بفتح فروع للمعاملات الإسلامية ، و نوافذ العمل المصرفي الإسلامي .
3-تزايد نشاط المؤتمرات و الندوات و مراكز البحوث التي تتناول الاقتصاد الإسلامي بشكل عام و العمل المصرفي الإسلامي بشكل خاص ، و تظهر البيانات المنشورة انه لا يكاد يمر شهر من الأشهر الماضية إلا و فيه مؤتمر أو ندوة أو ملتقى أو ورشة عمل تبحث في العمل المصرفي الإسلامي ، و هذا الأمر يعطي زخماً للاقتصاد الإسلامي لم يشهده من قبل و الغريب في الأمر أن الاهتمام بالعمل المصرفي الإسلامي في الدول غير الإسلامية أكثر منه في الدول العربية الإسلامية ، بل إن الأمر الأكثر غرابة أن نجد أن (60%) من المصارف الإسلامية تقع في دول غير إسلامية ، و الأكثر غرابة أن نجد أن لندن و باريس تتنافسان لتكون أيهما مركزاً للتمويل الإسلامي في أوروبا و العالم ، و قد أصدرت بريطانيا في عام 2004م نصوصاً تشريعية لتشجيع العمل المصرفي الإسلامي .
4-تزايد الاهتمام العلمي بتدريس الاقتصاد الإسلامي ، فقد أعلنت كثير من الجامعات عن تأسيس أقسام لتدريس الاقتصاد الإسلامي ، بل إن بعض الجامعات قد أنشأت كليات لتخريج طلاب متخصصين في الاقتصاد الإسلامي ، بما في ذلك تخصص المصارف الإسلامية ، و لا شك أن إنشاء التخصصات العلمية في الجامعات ، و إنشاء المصارف الإسلامية سيكمل حلقة تطوير الاقتصاد الإسلامي و سيظهر الوجه المشرق للإسلام في المجال الاقتصادي .
5-ازدياد ودائع المصارف الإسلامية عقب الأزمة متأثرة بعدة عوامل أهمها :
أ- تحول كثير من العملاء من الإيداع لدى المصارف التقليدية إلى المصارف الإسلامية ، هروباً من مسألة الربا التي اتضحت أبعادها عقب الأزمة و خوفاً من إفلاس المصارف التقليدية .
ب- افتتاح كثير من المصارف الإسلامية خاصة في دول الخليج العربي و بقية دول العالم .
ج- افتتاح بعض المصارف التجارية التقليدية لفروع إسلامية مثل (سيتي غروب ، و اتش اس بي سي ، و دوتشيه بنك) ، و البعض الآخر افتتح نوافذ إسلامية  .
د- اتجاه الحكومات في العالم للاستفادة من معطيات العمل المصرفي الإسلامي مثل فرنسا و بريطانيا .
6-أصبح ينظر إلى المصارف الإسلامية على أنها جزء من الحل للازمة المالية العالمية الحالية ، فبالرغم من أن الصيرفة الإسلامية لا يزال حجمها على المستوى العالمي ضئيل إذ لا يمثل سوى (3-4%) فقط من حجم الصيرفة العالمية ، إلا أن معدلات نموها متسارعة حيث بلغ معدل نمو أصولها في نهاية عام 2008م (24%) و استثماراتها بنسبة (23%) وودائعها بنسبة (26%) ، و قد أشارت مؤسسة (آرنست اند يونغ) إلى أن الصيرفة الإسلامية تمثل جزءاً من الحل للازمة المالية العالمية و ليس الحل بأكمله ، و هي الأقل تأثرا بالأزمة العالمية و ستكون موضع ترحيب في الغرب حالياً بفعل الأزمة المالية  ، ذلك أن طبيعة الاستثمارات في المصارف الإسلامية لا تؤدي إلى مثل هذا الأزمات ، و من ثم فان دخول المصارف الإسلامية على الساحة المصرفية العالمية سيشكل جزءاً من حل هذه المشكلة ، كما سيشكل صمام أمان في المستقبل لعدم تكرار مثل هذه الأزمة أو على الأقل التخفيف من حدتها .
7-تزايد استخدام صكوك التمويل الإسلامية سواء على مستوى القطاع الخاص أو على مستوى الحكومات و المؤسسات العامة و المجالس المحلية ، و هذا يشير بوضوح إلى مدى إمكانية أن تكون الصيرفة الإسلامية بديلاً كاملاً للمصرفية التقليدية و ذلك بتطوير الأدوات المالية الإسلامية ، و تظهر بعض البيانات أن حجم الصكوك المالية الإسلامية قد وصل في نهاية 2008م إلى (60) مليار دولار و تعد ماليزيا من الدول التي تصدر الصكوك الإسلامية بكثرة ، و كذلك دول الخليج و تدرس كل من بريطانيا و اليابان و تايلاند إمكانية إصدار سندات مالية إسلامية خاصة بها .
ثانياً : الآثار السلبية على المصارف الإسلامية من جراء الأزمة المالية العالمية الحالية :

لا يذكر احد أن هناك آثار سلبية لحقت بالمصارف الإسلامية من جراء الأزمة المالية الحالية وقد سبق الذكر أن آثار الأزمة المالية العالمية قد أثرت على المصارف الإسلامية بطريقة مباشرة (و هو اثر محدود)  و بطريقة غير مباشرة ، و هو الأثر الأوسع وكما ذكرت سابقاً أن الآثار التي لحقت بالمصارف الإسلامية نوعان آثار ايجابية تم الحديث عنها في النقطة السابقة و آثار سلبية سيتم الحديث عنها كالتالي :-
1-أول اثر سلبي على المصارف الإسلامية من جراء الأزمة العالمية الحالية هو انخفاض أصولها نتيجة لانخفاض ودائع العملاء الذي تأثر بانخفاض النشاط الاقتصادي ، فقد ذكرت سابقاً عند الحديث عن الآثار الايجابية للازمة على المصارف الإسلامية أن ودائع المصارف الإسلامية قد زادت إلا أن الذي زاد هو الودائع الجديدة المرتبطة بتحول الأفراد و المؤسسات إلى العمل المصرفي الإسلامي ، أما الودائع المرتبطة بنشأة المصارف الإسلامية فلاشك أنها قد تأثرت خاصة الودائع الاستثمارية و الودائع الادخارية و الودائع المخصصة ، و قد أظهرت بيانات الاستثمار في المصارف الإسلامية انخفاضاً واضحاً جراء الأزمة كما تأثرت أيضا حقوق الملكية و خاصة الأرباح المحتجزة و الاحتياطيات .
2-انخفاض قيمة أصول المصارف الإسلامية ، فكما هو معروف فان المصارف الإسلامية تحتفظ بالأصول العينية أكثر من المصارف التقليدية خاصة الأصول العقارية ، و قد أدى اندلاع الأزمة إلى انخفاض الأصول العقارية على مستوى العالم و من ثم تأثر أصول المصارف الإسلامية وقد أشارت بعض الإحصائيات إلى أن المصارف الإسلامية تحتفظ على الأقل بنسبة (20%) من أصولها بشكل عيني .
3-في ظل انخفاض حجم الأصول في المصارف الإسلامية ، و زيادة المخاطر المحتملة ، و استمرار الأزمة فان المصارف الإسلامية اضطرت إلى اقتطاع مخصصات كبيرة لمواجهة انخفاض قيمة الأصول، فاثر ذلك أيضا على أرباحها كما اثر على احتياطياتها ، كما أن تعثر بعض العملاء و إفلاسهم جراء الأزمة قد جعل المصارف الإسلامية تقتطع مزيداً من المخصصات .
4-انخفاض صافي أرباح المصارف الإسلامية نتيجة لعدة عوامل أهمها :
‌أ-انخفاض أنشطتها الاستثمارية نتيجة الأزمة .
‌ب-انخفاض حجم الخدمات المصرفية ، و بالتالي انخفاض عوائدها خاصة تلك الخدمات المرتبطة بالجانب الاستثماري كخدمات الضمانات و الاعتمادات .
‌ج-اقتطاع جزء من الأرباح لمواجهة المخصصات ، و قد أثبتت بعض الإحصائيات أن دخول المصارف الإسلامية انخفضت بنسبة (16%)  .
5-أدى انخفاض دخول المصارف الإسلامية إلى انخفاض العائد على الموجودات كنتيجة طبيعية لانخفاض الدخول تأثراً بالأزمة .

6-ارتفاع تكاليف التشغيل نتيجة لإعادة هيكلة الأنشطة و من ثم هيكلة الإيرادات و المصروفات ، و بالذات ارتفاع تكاليف تأهيل اليد العاملة التي تحتاج إلى تأهيل في الجانب المصرفي و الجانب الشرعي .
7-انخفاض العائد على حقوق الملكية نتيجة لانخفاض صافي الأرباح للأسباب المذكورة سابقاً .
8-تأثرت المصارف الإسلامية بالركود الذي حصل للبلدان التي تتواجد فيها أنشطتها جراء الأزمة ، فقد أظهرت الإحصائيات التي ظهرت في عام 2009م ، أن جميع الدول التي تأثرت بالأزمة تباطأ النمو الاقتصادي فيها دون استثناء و لكن بدرجات متفاوتة ، و قد ذكرت سابقاً أن متوسط انخفاض حجم التجارة الدولية قد وصل إلى (34%) ، و كانت الصين و هي من اقل الدول تأثراً بالأزمة العالمية قد انخفضت تجارتها مع العالم الخارجي بنسبة (17%) .
9-تكدس السيولة لدى بعض المصارف الإسلامية نتيجة لعدم قدرتها على توظيفها لأسباب متعددة منها :
‌أ-انخفاض الفرص الاستثمارية أمامها في ظل الأزمة .
‌ب-انخفاض طلبات العملاء نتيجة تخوفهم من آثار الأزمة .
‌ج-تشدد البنوك المركزية في إجراءات الرقابة على التمويلات .
‌د-انخفاض العوائد نتيجة للركود الاقتصادي مقابل ارتفاع المخاطر خاصة مخاطر التعثر و الإفلاس .
10-اضطرار المصارف الإسلامية لإعادة هيكلة إيراداتها و استخداماتها من عدة أوجه أهمها :
‌أ-إعادة الهيكلة بين الأوعية الاستثمارية في الداخل .
‌ب-إعادة الهيكلة بين الأوعية الاستثمارية في الخارج .
‌ج-إعادة الهيكلة بين العملات الأجنبية و العملات المحلية ، و كذلك بين أنواع العملات الخارجية.
‌د-إعادة الهيكلة بين حجم الاستثمار في الداخل و حجم الاستثمار في الخارج .

اثر الأزمة العالمية على المصارف الإسلامية اليمنية :

اولا:-ليست المصارف الإسلامية اليمنية بمنأى عن آثار الأزمة العالمية بل إنها تعد ربما أكثر تضررا لعدة أسباب منها :
‌أ-حداثة إنشائها ، فأول بنك إسلامي تأسس في عام 1995م و هو البنك الإسلامي اليمني ، و آخرها تأسس في عام 2002م و هو بنك اليمن البحرين الشامل و من ثم فان خبرتها بالقياس إلى خبرة البنوك الإسلامية الأخرى تعد محدودة .
‌ب-محدودية نشاطها بحكم البيئة التي تعيش فيها إذ تدير أعمالها في المحيط اليمني ، ما عدا فرعين أو ثلاثة فروع للبعض منها في جمهورية جيبوتي ، و استثماراتها في الخارج هي استثمارات لدى بنوك إسلامية تعمل في الخارج و خاصة في دول الخليج العربي .
‌ج-تواضع حجم أصولها ، فقد بلغ حجم أصولها في 31/12/2009م (538) مليار ريال يمني و تعادل حوالي (2.6) مليار دولار وفق السعر المعادل لـ31/12/2009م ، و هو كما يلاحظ حجم متواضع بالقياس إلى أحجام الأصول لدى المصارف الإسلامية في الخارج و إلى حاجة البلاد من التمويل .
‌د-تواضع حجم أنشطتها الاستثمارية فقد بلغ حجم استثماراتها في 31/12/2009م (172) مليار ريال يمني تعادل حوالي (830) مليون دولار فقط .
‌هـ-محدودية أوعيتها الاستثمارية ، فأغلب عملياتها تتم في بيع المرابحة للآمر بالشراء في الجوانب التجارية ، و في عقد الاستصناع في الجانب العقاري ، أما باقي الصيغ فان العمل بها محدود و لا يكاد يغطي (20%) من أنشطتها .
‌و-تعتمد المصارف الإسلامية في أنشطتها على تمويل القطاع التجاري وقطاع الخدمات و خاصة الخدمات العقارية إذ تشير بيانات البنك المركزي اليمني أن تمويلات المصارف العاملة في اليمن يذهب منها (61%) للقطاع التجاري ، و (18%) للقطاع الصناعي ، و (5.1%) للقطاع العقاري ، و النسبة الباقية للقطاعات الأخرى .، و لما كانت التجارة قد تأثرت بالأزمة العالمية ، فان المصارف الإسلامية تأثرت هي الأخرى بالأزمة .
ثانياً:-لمعرفة مقدار تأُثر المصارف الإسلامية اليمنية بالأزمة يمكن استعراض ذلك من خلال معرفة الأثر على كل من الأصول والودائع و الاستثمارات .

1) الأصول :
‌أ-أخذت الفترة 2006-2009م كعينة ، و أخذت البيانات نصف سنوية لمعرفة مقدار التأثر .
‌ب-يلاحظ من خلال تحليل الجداول أن اثر الانخفاض كان واضحاً و بالذات في عام 2009م حيث كان معدل نمو الأصول في 31/12/2008م (13%) انخفض إلى (6%) في 30/6/2009م ، ثم انخفض مرة أخرى إلى (4%) فقط في 31/12/2009م .
‌ج-أما على مستوى البنوك التجارية التقليدية فيلاحظ أن الأثر كان اشد حيث كان معدل نمو الأصول في 31/12/2008م (8.5%) و انخفض في 30/6/2009م إلى (-1%) ثم إلى (0.6%) في 31/12/2009م .


2) على مستوى الودائع :

أ‌-يلاحظ من خلال الجداول الانخفاض الواضح لحجم الودائع في عام 2009م ، فقد كان معدل نمو الودائع في 31/12/2008م (13%) انخفض في 30/6/2009م إلى (6%) و في 31/12/2009م إلى (4%) و هو أدنى معدل لنمو ودائعها تحقق منذ نشأتها .
ب‌-و في جانب البنوك التجارية التقليدية ، فقد تأثرت هي الأخرى ، فقد كان معدل نمو استثماراتها في نهاية عام 2008م (9%) انخفض في منتصف عام 2009م إلى (- 0.4%) ، ثم ارتفع في نهاية عام 2009م إلى (5.5%) ، إلا أن المعدل يعد منخفضاً بالقياس إلى السنوات السابقة .
3) اثر الأزمة على الاستثمارات :

‌أ-يلاحظ من خلال الجدول رقم (3) ، الأثر الواضح على استثمارات المصارف الإسلامية ، حيث يلاحظ أن معدل نمو استثمارات المصارف الإسلامية في نهاية عام 2008م كان سالباً بمقدار    (-7%) ، و يرجع السبب في ذلك إلى أن الأزمة أحدثت صدمة لدى المصارف في الربع الأخير من عام 2008م فأحجمت عن الاستثمار ، و سيلت جزءاً كبيراً من أصولها ، و رغم ارتفاع معدل نمو الاستثمارات في منتصف 2009م إلى (9%) ، إلا أن معدل النمو تراجع في نهاية 2009م إلى (0.4%) ، و هو أيضا أدنى معدل تحقق لدى المصارف الإسلامية منذ نشأتها .
‌ب-و في جانب المصارف التجارية التقليدية كان الأثر واضحاً حيث كان معدل نمو الاستثمارات في نهاية عام 2008م (11%) ، انخفض في منتصف عام 2009م إلى (1%) ، ثم انخفض أيضا في نهاية عام 2009م إلى (- 3.4%) ، و هو معدل تراجع كبير في سنة واحدة ، و في بلد نام ناء عن مركز الأزمة .
‌ج-اعتقد أن اثر الأزمة وصل إلينا متأخراً بعض الشيء ، و سيخرج متأخراً و معنى ذلك أن آثار الأزمة ستستمر لفترة أطول من المقدر لها .









ليست هناك تعليقات: