الأحد، 8 أبريل 2012

ورقة عمل :الإسماعيليون بين الماضي والحاضر


ثابت محمد القوطاري 

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ان التاريخ  وعلى مر العصور ومنذ قيام الاسماعيلية لم يفيها حقها من الاهتمام بل تعرضت للكثير من الاتهامات والتحريضات وهمشت ايما تهميش على الصعيد الانساني والعقائدي والسياسي من قبل الباحثين والاكاديميين والقائم السياسي في كل عصر وزمان خلطوا  خلالها الحابل بالنابل وجمعوا الغرر والعرر والصقوا بها الخرافات والاساطير وهي منها براء متناسين ان الاسماعيلية مذهب اسلامي له شخصياته الفكرية والدينية التي كان لها دور بارز في بناء المجتمعات الحضارية في اطار الامة الاسلامية بشكل خاص والانسانية بشكل عام, ولها كتبها التي ضربت بجذورها في كل ناحية فكرية ومعرفية من الارض فمثلت الفكر والعبقرية والمعرفية في شتى العلوم.
كيف لا والفاطميون بإنشائهم الجامع ( الازهر) و(دار العلم) كانوا اسبق الناس الى انشاء الجامعات التي تمتاز بها المدنية الحديثة في ايامنا هذه.
فدار العلم تعد جامعة بامتياز فيها اساتذتها  وبها مكتبتها وفيها كل مايبعث على النشاط العلمي والبحث والتحصيل , فقد كانت مصر الاسماعيلية كعبة العلماء من شتى اقطار المعمورة ومن كل المذاهب الاسلامية فقد ذكر المؤرخون عدداً من العلماء الذين وفدوا على  مصر الفاطمية/ الاسماعيلية ووجدوا من التشجيع ما جعلهم يذكرون مصر والائمة بالخير ومنهم على سبيل المثال : المهذب بن النقاش وكان فاضلاً في صناعة الطب, والقاضي عبدالوهاب بن علي أحد فقهاء  المالكية والامام الغزالي الذي وضع كتابه ((مشكاة الانوار)) متأثراً ببعض العقائد الفاطمية ولاسيما نظريتهم في ترتيب العقول ,وان كان قد هاجمهم في كتبه الاخرى.
وهناك الكثير من العلماء الذين تأثروا  بالإسماعيلية امثال ابن حوقل والفارابي وابن الهيثم وابو العلاء المعري,  والسبب الذي جعل الاسماعيليين يشجعون  العلم والعلماء هو ان المذهب الاسماعيلي نفسه يقوم على العلم والعقل قبل كل شيء.
وما مراسلات ابي العلاء المعري للداعي الشيرازي , وكتابات الداعي الكرماني لابي بكر الرازي الا مثالاً بسيطاً على ذلك الاحترام والاعتراف للأخر بكل جهوده وانجازاته.
بل  تسامح الاسماعيليون مع العلماء اهل السنة بان اذنوا لهم ان يلقوا دروسهم وتعاليم مذاهبهم في الجامع الازهر بل وقلدوا  مناصب في الدولة منهم على سبيل المثال ابو عبدالله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي تفقه على مذهب الامام الشافعي وولاه  الفاطميون القضاء ثم اتصل بالوزير الجرجرائي فجعله كاتب علامته ثم عمل في ديوان الانشاء وهكذا ظل يتنقل في مناصب الدولة.
وكذا كان شأن مجلي بن جميع بن نجا المخزومي المصري صاحب كتاب ( الذخائر) وقد ولي القضاء سنة 547هـ  والقاضي ابو الفضل محمد بن احمد بن عيسى البغدادي .
وفي مصر الفاطمية الاسماعيلية كثرت التصانيف وظهرت الكتب وأنشئت المكتبات ومثلت الدولة الفاطمية النموذج البارز للدولة المدنية الحديثة التي آمنت بالآخر فمنحته حق المواطنة المتساوية والعادلة بل أشركته  في العمل السياسي في الدولة  ايماناً منها بالتعددية , والتنوع, والاختلاف وبان  هذا التنوع قادر على بناء الدولة المدنية والتي في ظلها يتعايش الافراد باختلافاتهم وتوجهاتهم يجمعهم الدين والارض والانسانية واللغة والتاريخ والمصير المشترك.
وهنا السؤال الذي يفرض نفسه : كيف تعامل الآخر مع الاسماعيليين؟
لقد كان التعصب الاعمى  عند الايوبيين والعباسيين قوياً جداً حتى انهم لم يفرقوا بين كتب الاسماعيلية وبين كتب المذاهب الاخرى  في شتى العلوم والمعارف فاحرقوا المكتبات  الاسماعيلية بكل ما فيها من ثروة علمية وفكرية لم تكن ملك الاسماعيليين  وحدهم بل كانت ملك الامة الاسلامية بل والانسانية جمعاء, بل وصل الحقد بهؤلاء الى ان جعلوا من اغلفة الكتب الجلدية احذية للجند.
وعلى مر العصور وتعاقب الدول وباختلاف النسب تعرض دعاة الدعوة الاسماعيلية وأئمتها للمطاردة والمضايقة, واحياناً ارتكبت المجازر الجماعية بحق ابناء المذهب وكأنهم لا ينتمون للإسلام بصلة.
والصقت التهم والخرافات بأئمة الاسماعيلية ودعاتها واتهموا بالشعوذة والكفر والانحلال وما ذلك الا تزوير واضح وكذب بيّن وافتراء سعى الخصوم له والعمل على ترويجه في اوساط المجتمعات بغرض التشوية والنيل من الاسماعيليين .
اليوم يُهمش الاسماعيليون ويُمنعون من أبسط حقوقهم في المواطنة , ويعاملون على أساس عنصري ومذهبي , تصادر كتبهم وتحتجز مخطوطاتهم , ويمنع دخول الكتب الاسماعيلية الى بعض البلدان , وتسحب  من  معارض الكتب الدولية إن وجدت , بل يتم الحذف والاضافة في الكتب من قبل الخصوم وبث السموم الفكرية والأخلاقية فيها والعمل على نشرها بإسم الاسماعيلية والترويج لها على أساس أنها من كتب الاسماعيلية المعتمدة والأصلية.
كما يعمل على تغييب تراثهم الفكري والعقائدي وطمس مآثرهم العمرانية والتاريخية وأماكن مزاراتهم الدينية.
وما يدهشنا اليوم أن كثيراً من الباحثين تأخذهم العصبية العمياء يدّعون بأفواههم الفارغة أن الفاطميين / الاسماعيليين على علاقة باليهود والنصارى بل وأخطر على الاسلام من أي دين على هذه المجرة.
متناسين أن مصر الفاطمية / الاسماعيلية كانت في يوم ماهي الدولة الاسلامية الكبرى التي أوقفت مواردها ورجالها للذود عن البلاد الاسلامية وعن الدين الاسلامي ووقفت  أمام مسيحيي أروبا تكافح وتناضل طوال تلك القرون حتى أدخلت اليأس في قلوب الأوروبيين  وجعلت آمالهم وأحلامهم قصوراً بنيت في الهواء.
اليوم ومن خلال هذا لمؤتمر وهذه المبادرة يسعى الاسماعيليون للانفتاح على الآخر والتعايش المشترك والمساهمة في بناء هذا الوطن وتقديم ما عليهم من واجبات تجاهه ونيل مالهم من حقوقهم في المواطنة المتساوية.
والاسماعيليون على ثقة اليوم بأن الآخر يبادلهم نفس الرؤى والرغبة وكما قال الله تعالى (انما المؤمنون أخوة) يجمعهم الدين الاسلامي الحنيف والانسانية اكثر مما تفرقهم المذاهب المتعددة والانتماءات المختلفة.

                                                                                                                       ثابت محمد القوطاري

ليست هناك تعليقات: