الاثنين، 9 أبريل 2012

ورقة عمل حول: المواطنة المتساوية والتحول الديمقراطي في اليمن


المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان في الدولة المدنية الديمقراطية

(كلنا مختلفون-كلنا متساوون)
منير عبد الرقيب الغارتي
تهدف هذه الورقة إلى التعريف بطبيعة الدولة المدنية الديمقراطية، كون ظهور الطائفية الدينية أو العقائدية أو المذهبية، والمناطقية والتمييز بكل أنواعه، هو نتيجة لغياب الدولة المدنية، دولة المواطنة المتساوية، دولة القانون، الدولة التي تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتشجع على احترامها بالنسبة للجميع، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، الدولة الديمقراطية التي نحلم بها جميعا، ونسعى إلى بناءها معا. فكل الأقليات الطائفية والمذهبية واللغوية والقومية والإثنية والدينية، يحق لها الاحتفاظ بهويتها الثقافية والتمتع بها وممارسة عاداتها وتقاليدها بحرية دون تدخل ودون أي شكل من أشكال التمييز في ظل دولة المواطنة المتساوية، التي تضمن الحصول على حقوق الإنسان التي نصت عليها القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية وتأصل ثقافة المجتمع المدني والثقافة الديمقراطية، وإلا تولد الشعور والإحساس بالتهميش والعزلة لدى المواطن العادي أو لدى الأقليات، وتبدأ ظاهرة الوطن الموازي التي تشق المجتمع إلى وطن للقادرين، ووطن لغير القادرين، تلك الظاهرة التي تشكل الخطر الحقيقي أمام المشاركة الفاعلة لكل القوى في المجتمع، بل تشكل خطر على السلم الاجتماعي،  لذلك فإن تعزيز وحماية حقوق الأقليات يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدول التي تعيش فيها أقليات، في المقابل على الأقليات أن تسهم وتشارك بفعالية في بناء مجتمع مدني ديمقراطي وبناء دولة مواطنة وحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى الموضوعات السابقة (الدولة المدنية والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان) تناولت الورقة التحول الديمقراطي في اليمن نظرا للفترة الحرجة التي تمر بها البلاد والتي تعد فرصة لإجراء إصلاحات حقيقة في كافة الجوانب التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وفى النهاية من الضرورة الإشارة إلى أن هذه الورقة تمثل وجهة نظر الكاتب التي استندت إلى الأسـس العلمية والمراجع وتناولت هذه المتغيرات، فيما تم عرضه بشأنها من مبادئ وقواعد تحكم هذه المتغيرات، وإلى الواقع الحالي والأحداث السياسية والمستجدات على الساحة اليمنية بكل أبعادها.



مقدمة:
الدولة المدنية هي دولة تعاقدية يتوافق الناس على مبادئها ودستورها وشكل مؤسـساتها؛ الدولة المدنية هي أساساً دولة نظام وقانون، تقوم على إنفاذ القانون دون تهاون مع من ينتهك القانون، فضلاً عن أن الدولة المدنية تبنى على أساس توزيع السلطات وتوازنها والرقابة المتبادلة بين السلطات، وفيها لن تكون السلطة مركزة بيد فرد أو جماعة لوحدها، بل ينبغي أن يكون معيار التنوع هو أساس قيادة الدولة وفقا للنظام الديمقراطي، ولن يستطيع أياً كان أن يتعسف أو ينتهك حقوق المواطنين في ظل وجود بنية مؤسـسية فاعلة فيها برلمان مستقل وغير خاضع للسلطة التنفيذية، وفي ظل قضاء حر ونزيه ومستقل وعادل، ولعل أهم الضمانات التي سوف تكفل الحد من سلطات أي رئيس الجمهورية، هو النظام البرلماني الذي توافق عليه معظم أفراد المجتمع والشباب والتكوينات السياسية على اختلاف توجهاتهم.
 إن الغاية من تأسيس أي دولة هو حماية المصلحة العامة، أما الوظيفة الأساسية للدولة هي إقامة العدل وحماية الحقوق والحريات، وحماية الأرواح والممتلكات، إلا أن بعض الأنظمة العربية تحولت إلى كتائب بوليس أخلاقي، وتنازلت كلياً عن وظائفها كدول مدنية، ففي ظل الدولة المدنية لا يهتم المواطنين بمن يحكم ولكن المهم هو كيف يحكم.
إن مصطلح "الحديثة " المرافق للدولة المدنية يشير إلى عملية تحول للمجتمع من التقليدي إلى مجتمع المواطنة المتساوية، وأن الدولة المدنية تقوم على نظام سياسي فعال، والدولة المؤسـسية هي التي يتم فيها فصل السلطة السياسية عن السلطة الاجتماعية وعن السلطة الدينية، وتفصل فيها السلطة عن الأشخاص الذين يمارسونها، المؤسـسة هي المعنية بحماية مصالح المجتمع وحقوق الأفراد في نفس الوقت، والدولة هي مجموعة من أجهزة السلطة تساندها أجهزة متعددة من المؤسـسات الإدارية والسياسية والنظم القانونية، والتي تحتكر استخدام القهر المشروع على مختلف الأفراد والهيئات، والدولة بهذا المعنى المؤسـسي تجد مشروعيتها في حمايتها لمصالح المجتمع وضمان حقوق الأفراد.
إن متطلبات وعناصر وأدوات الدولة المدنية ما هي إلا مجموعة متكاملة من المكونات اللازمة لقيام الدولة المدنية الحديثة، ولا يمكن تجزئة تلك المكونات لكونها مترابطة ويدعم كل منها الأخرى؛ وعند توفر تلك المكونات تتحقق الدولة المدنية التي تصنع السلم والأمن والتنمية والاستقرار والرفاه الاجتماعي لكافة الأفراد، الأمر الذي يعني أن الدولة المدنية رافد للمجتمع والمجتمع هو الرافد الرئيسي لاكتمالها، وبالتالي علينا أن نعمل ونتحرك جميعا لبناء الدولة المدنية لنتمكن من العيش في ظلالها.

فرضت الأحداث السياسية التي تمر بها المجتمعات العربية إعادة طرح مطلب الدولة المدنية، فقد ضاقت المجتمعات ذرعا بنمط الدولة القائمة، بمعنى السلطة الحاكمة وليس الدولة كفكرة مجردة، أي كيان جغرافي وقانوني وبشري، هذا يحتم تحديد التعريف الإجرائي للدولة المدنية، الذي يوازى ويترجم رغبة وتطلع الناس لواقع سياسي جديد، يحقق الغاية من وجود الدولة كجهاز ناظم لحركة المجتمع وليس كابحاً له، وفي هذا السياق هناك العديد من التصورات الفكرية لمفهوم الدولة المدنية؛ حيث يعتبرها البعض متعارضة مع الدين، وبالتالي يرفضها كونها تعنى قيام دولة علمانية، أي فصل الدين عن الدولة، وهذا التصور سائد بقوة في المجتمعات العربية وتغذيه الأنظمة السياسية والقوى التقليدية، التي توظف الدين لاستمرار وجودها في السلطة، مستندة في ذلك إلى التفسير الحرفي لنصوص الدين، لتكريس الولاء والطاعة للحاكم وعدم جواز الخروج عليه، في حين يعتبرها البعض أنها نمط من الدولة نقيض الدولة الدينية، التي تدعي الحق الإلهي في السلطة افتئاتا على الإسلام.
في المقابل ترى بعض التيارات الفكرية والجماعات السياسية أن لا تعارض بين الدولة المدنية والإسلام، وهو المفهوم الصحيح، فالدولة المدنية هي سلطة زمنية يختار في ظلها الناس حكامهم بحرية، والإسلام يتفق مع ذلك بقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم)، أي أنهم أحرار في تقرير شئونهم السياسية، ولم يفرض عليهم حكما ملزما، ودليل إضافي آخر على أن الإسلام يتفق مع الدولة المدنية قوله تعالى (وشاورهم في الأمر)، أي أن الحاكم مختار من الشعب وليس صاحب سلطة مطلقة، فهو ملزم بالعودة إلى من اختاره في أي قرار، ومثلما بدأت الديمقراطية بنمط المشاركة المباشرة للمواطن في الحكم، ثم تحولت إلى نمط المشاركة التمثيلية للمواطن في الحكم بفعل توسع وتعقد الحياة وصعوبة المشاركة المباشرة، فإن عودة الحاكم لأخذ رأي ناخبيه بحاجة إلى وجود مؤسـسات تمثيلية وهي التي تشكل قوام الدولة المدنية.
ومن ذلك نخلص إلى أن الدولة المدنية هي المجتمع بصورته المرئية ولا شيء سواه، تقوم على أسـس ومعايير يضعها الناس ويرتضونها كأساس لتنظيم شئونهم الحياتية، ويأتي بعد هذا المنظور الاجتماعي لمفهوم الدولة المدنية المنظور السياسي الذي يعني أن الدولة تعني النظام السياسي بمختلف أنماطه وعناصره جمهوري/ ملكي (ملكية دستورية / ملكية مطلقة)، والجمهورية يمكن أن يكون شأنها شأن الملكية المطلقة إذا لم تلتزم بالديمقراطية، ولذلك توصف بعض الجمهوريات الشكلية (بالجملوكيات)، وفي ظل هذا النمط من النظم السياسية المطلقة وشبه المطلقة أو المقنعة تسود تصورات سياسية وثقافية أكثر من تقليدية للسلطة، أو ربما تكون لاهوتية ترفع شأن الحاكم إلى مرتبة التأليه  والقداسة.
وهذه التصورات لم تكن سائدة فقط في المجتمعات الغربية قبل عصر النهضة بفعل سيطرة الكنيسة على السلطة، ولكنها سائدة وبقوة خاصة في واقعنا السياسي العربي حتى اليوم، الأمر الذي ولد ثقافة الخضوع والخوف لدى الناس ثم الاستسلام لدى من لا يدرك، والإحباط لدى من يدرك، وكان من محصلة ذلك سهولة هيمنة الدولة على المجتمع، وأصبح وجودها على حسابه وفوق مصالحه، وأصبح من الصعوبة التفريق من حيث الشكل السياسي بين ما هو ملكي وما هو جمهوري، وفي إطار النظم الجمهورية ذاتها بات عسيراً التمييز بين الأنماط الرئاسية والبرلمانية والمختلطة.
وحتى يدرك المواطن معنى الدولة المدنية التي تقوم على رعاية شئون المجتمع وحماية مصالحه من خلال وضوح معالمها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فإن أهمية تحديد وضبط مفهوم الدولة المدنية الحديثة وتغيير وعقلنة الواقع السياسي القائم بما يتواءم مع متطلبات وشروط الدولة المدنية، التي يمكن تعريفها إجرائيا بأنها تعني: "الدولة التي تستمد شرعيتها من الشعب مباشرة أو عبر نوابه وممثليه في مختلف مفاصل وتكوينات السلطة تكفل الحقوق والحريات وتحترم التعددية وتلتزم بالتداول السلمي للسلطة وتعمل على تجسيد سيادة القانون وتحقق المواطنة المتساوية".
وعرف د.عزمي بشارة الدولة المدنية بأنها: "الدولة التي تقوم على أساس المواطنة والحقوق المدنية؛ ولا يهم أن يكون الحزب الذي يحكم قد تبنى في السابق، أو يتبنى حاليا أيديولوجية دينية أو يسارية أو ليبرالية، المهم أن يلتزم بشكل واثق وموثوق بالمبادئ الديمقراطية التي تشكل أساسا لأي دستور ديمقراطي، الدولة المدنية ليست دولة دينية، ولكنها أيضا ليست الدولة العلمانية العسكرية. وإن أي استناد إلى حكم العسكر لتجنب التيارات الدينية هو عودة للاستبداد"؛ حيث أن مفهوم العلمانية يعني فصل الدولة ومؤسـساتها عن المرجعية السياسية للمؤسـسات الدينية، وليس فصل الدين عن الدولة.
وترتكز الدولة المدنية على مجموعة من المبادئ أهمها:
المساواة والعدالة وعدم التمييز:
بدون الحرية والعدالة والمساواة لا يمكن أن يكون هناك معنى لأي شيء، وبدون ذلك لا يتولد الشعور بأن الحياة تستحق أن تعاش، والدولة المدنية هي التي تجسد إرادة المواطنين جميعاً، ولا تميز بين المواطنين لدواعي ومبررات ليست قانونية وإنسانية، وتولد الشعور بالمواطنة يعتمد على قيمتي المساواة، والعدل؛ ويقوم ميثاق الثورة العربية على الموازنة بين التطلع إلى الحرية والمساواة، فحرية من دون مساواة بين المواطنين هي مقولة نظرية، ومساواة من دون حرية هي مساواة في الذل؛ حيث تشكل قيم المساواة والحرية إذا ما اقترنت بإدارة عقلانية وسياسة رشيدة أساساً للعدالة والكرامة، وأحدهما لا يدوم من دون الآخر، ويتطور التوازن بين الحرية والمساواة في مبدأ جديد للمواطنة يقوم على الحقوق السياسية والاجتماعية.
الإنسان هو أنت وأنا وهي وهو ونحن وهن، نتشارك معاً على بقاعه المختلفة أحراراً متساويين، ليس لنا فيه إلا السعي الجاد من أجل الرفاهية للجميع، ولأننا جميعاً متساوون وأحراراً ونتشارك معاً (أو يجب أن نتشارك معاً) من أجل الرفاهية والسعادة والأمن لنا جميعاً، كان لا بد من الحفاظ على ديمومة الحرية والمساواة من أجل الحياة الكريمة للإنسان أياً كان مكانه أو لونه أو جنسه أو عقيدته أو عرقه، لأن عدم الحفاظ عليهما (الحرية والمساواة) ودعمهما وتنميتهما معاً، يؤدى إلى الصراع والهمجية والحقد والإرهاب الذي يهدد ليس فقط رفاهية الجميع، بل قد يهدد البقاء الإنساني ذاته، لذلك كانت حقوق الإنسان التي تمثل ذلك التراث الإنساني المشترك، والإطار الذي يساعد الناس على حماية أنفسهم من الأذى؛ ولا تقوم العدالة من دون سيادة القانون، والمساواة تكون أمام القانون على أساس مبادئ تشريعية عادلة تشتق منها، وأن مساواة المواطنين أمام القانون، ومساواة القانون بين المواطنين هي مبادئ تكمل بعضها بعضا، وهي مساواة لا تأخذ بعين الاعتبار أصل المواطن وجنسه وقوميته ودينه ومذهبه.
 احترام حق الاختيار والاختلاف
الدولة المدنية التي تقوم على أساس ديمقراطي تعتمد احترام وحماية الحق في الاختيار، وتضمن التنوع والعيش في ظل الاختلاف، والتنوع في الأدوار واختلاف اتجاهات القائمين على مؤسـساتها. واحترام حقوق الآخرين وقبول اختلافهم في إطار العدالة الاجتماعية والديمقراطية، هو ضمان لكل متطلبات العيش الكريم والمساواة وتكافؤ الفرص، وتحقيق العدالة الفعلية بين الجنسين واحترام المكاسب الإنسانية والعمل على دعمها قولاً وتشريعاً وممارسة، والتعايش بين كل فئات ومكونات المجتمع الواحد.
إن التمتع بحق الاختيار والاختلاف يكون في الدولة التي تضمن الحريات المدنية للمواطن والعدالة والمساواة؛ ولا يمكن حماية هذه الحريات من دون قانون، ولكي يلتزم القانون بالحريات المدنية لا بد من مبادئ متفق عليها لا يجوز أن يخرج القانون ذاته عنها، بمعنى آخر الالتزام بالشرعية والمشروعية الدستورية في أعمال الدولة وحيادية ودوام مؤسـسات الدولة ورفض ممارسة السيادة خارج المؤسـسات معبرة عن إرادة الشعب بأكمله، ويقصد بالمشروعية أنها العملية التي بمقتضاها يبرر تنظيم ما أو مؤسـسة نشأته، وللشرعية ثلاثة أسـس: الأساس القانوني والأخلاقي، الأساس السياسي، والأساس التقني؛ وبالتالي فهناك ثلاثة أشكال من الشرعية: الشرعية القانونية والأخلاقية، الشرعية السياسية، وشرعية الانجاز؛ وهذا يعني أن السلطة الشرعية هي: السلطة التي احتل أفرادها مواقع في أجهزة ممارسة السلطة ومؤسـسات صناعة القرار بشكل قانوني، ووفقا لأحكام الدستور والقوانين النافذة في المجتمع، وتكون مقبولة من قبل معظم أفراد المجتمع وجماعاته، والتي تحقق أهداف المجتمع وغاياته.



إن أهم مقومات الدولة المدنية الحديثة وجود دستور مدني، ينظم العلاقة بين فروع الحكومة بعضها بالبعض الآخر وعلاقة الحكومة بالمجتمع، وينص على تفويض الشعب للحكومة بإدارة شئون البلاد وفق شروط، ويسحب هذا التفويض إذا حدث إخلال بالالتزامات الدستورية، ويمثل هذا الدستور تأكيداً على أن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، وأهم ما يجب أن يتضمنه الدستور في الدولة المدنية السيادة الشعبية، ومبدأ التداول السلمي للسلطة، ويتضمن تحديد شكل وطبيعة نظام الحكم، ونظام الانتخابات، الفترة الرئاسية، استقلال وفصل السلطات الثلاث، وضمان للحقوق والحريات العامة وسيادة القانون تأكيدا لمبدأ المواطنة المتساوية، ودولة المؤسـسات، والاعتراف والتطبيق والحماية للحقوق والحريات العامة، وحقوق الإنسان كافة، وإعلام حر ومتعدد، بما يكفل حرية تكوين الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، وحرية الرأي والمعتقد،  والاجتماع، والاعتماد على مبدأ الانتخاب العام لعناصر السلطة التشريعية والتنفيذية، كأساس لتداول السلطة، من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة وشفافة، تجسد نتائجها بصدق إرادة الناخبين، والاعتراف بالتعددية السياسية والحزبية. ويجب أن يضمن الدستور التنوع والمشاركة الشعبية الواسعة والمباشرة عبر إيجاد حكم محلي ديمقراطي كامل الصلاحيات يقوم على انتخاب المجالس المحلية، وتكوين مؤسـسات مجتمع مدني.
أما بالنسبة لحكم القانون فهو يتحقق من خلال صياغة دستور وقوانين مدنية تحمي حرية المواطنين من التدخل التعسفي للسلطة، كما تحمي حقوقهم المدنية عند التعامل مع بعضهم البعض، على أن تمنح السلطة القضائية والهيئات التنفيذية السلطة المناسبة لتنفيذ القوانين دون التعسف في تنفيذها.
تعرف الديمقراطية بأنها :" نظام حكم سياسي واجتماعي لإدارة الدولة والمجتمع"، كما يعرفها البعض: بأنها نمط وأسلوب حياة وطريقة في التفكير تقوم على إتاحة الفرصة الكاملة لكل أفراد المجتمع بالمشاركة في كل ما يخص شئون حياتهم العامة، وهى أيضاً سلوك متكرر من الأفراد يقوم على احترام الآخر، وإتاحة الفرصة الكاملة له للتعبير عن ذاته، وتقدير آراءه، بل والأخذ بها إذا كانت صائبة. إنها نمط وسلوك متكرر لكل أفراد المجتمع يقوم على الموضوعية، ومواءمة مصلحة الجماعة والمجتمع مع مصلحة الفرد، نمط يقوم على احترام المعايير، والضوابط الاجتماعية، بما يؤدى في النهاية إلى وجود مناخ وبيئة داعمة ومحفزة على التقدم والرفاهية[1].
إن الدولة المدنية هي التي تقوم على أسـس ديمقراطية واعتمادها كأساس لنظامها السياسي، ومفردات النظام الديمقراطي تقوم على فصل السلطات والانتقال السلمي للسلطة، والوصول إلى الحكم عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، أي أن بناء الدولة المدنية الديمقراطية تشترط بأن تكون السلطة مفتوحة للتنافس الحر عن طريق الانتخابات التي تقام في فترات يحددها الدستور، وأن لا تظل السلطة رهينة بيد فرد أو جماعة أو حزب. وتقوم ديمقراطية الدولة المدنية على الفصل بين السلطات والتوازن بينها في الوقت ذاته، وعلى استقلال القضاء، وعلى التداول السلمي الدوري للسلطة بين قوى سياسية منظمة، تطرح برامجها لنيل ثقة المواطنين في عمليات انتخابية حرة ونزيهة؛ لأنها تقوم على مجموعة من المبادئ أهمها التداول السلمي للسلطة، وحرية الاختيار والشفافية والمصداقية وتداول المعلومات ومبدأ المساواة واعتماد مبدأ المحاسبة والرقابة والمساءلة، والتنظيم المؤسـسي للمجتمع، كما أن الديمقراطية تعتمد على دعامتين أساسيتين، هما حكم الأغلبية وحكم القانون، ويتحقق حكم الأغلبية من خلال انتخابات حرة مباشرة تضمن انتخاب حكومة تمثل الشعب، على أن يتم الفصل التام بين السلطات المختلفة واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار من التوازن، مع وجود رقابة متبادلة بينها والقدرة على محاسبة المؤسـسات الحكومية، هذا إضافة إلى التداول السلمي للسلطة داخل البلد الديمقراطي بشكل سلس لفترة زمنية كافية، لأن الديمقراطية هي في جوهرها طريقة في الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وإدارة صراعاته بوسائل سلمية، وهي بهذا المفهوم تتطلب سيادة قيم معينة ومؤسـسات وآليات تضع الديمقراطية بهذا المفهوم موضع التطبيق، فلا يمكن بناء الديمقراطية في أي مجتمع بدون إشاعة ثقافة تعمق القيم الموجهة لسلوك المواطنين في هذا الاتجاه.
تقوم بعض المنظورات السياسية على الادعاء بأن الديمقراطية بما تعنيه من الحق في التعددية السياسية والاجتماعية تتعارض مع الوحدة الوطنية والحفاظ على النسيج الاجتماعي من التمزق والتشرذم والنتيجة الحتمية لم تأت الديمقراطية ولم تتحقق الوحدة الوطنية، كما أن رفض الديمقراطية لم يكن بدافع الحفاظ على الوحدة الوطنية ولكن خوفا من الديمقراطية لكونها سوف تضع المسئولين أمام المساءلة والمحاسبة، وهو ما جعل الصراع هو السمة السائدة في الواقع السياسي يحدث ذلك بدرجات أكثر خطورة في ظل التوجهات الديمقراطية المعلنة، حيث لم تتجذر الديمقراطية في  الواقع المجتمعي، وفي التطبيق نجد أن عملية التحول الديمقراطي في اليمن عام 1990م، لم تتمكن من جعل التنوع أداة لإثراء الممارسة الديمقراطية لأسباب متعددة منها ما يتعلق بحالة الانفلات في الواقع التعددي المصاحب لحالة الصراع على السلطة بصورة تضعف الممارسة الديمقراطية حتى داخل التكوينات السياسية التي عليها أن تقوم على ضمان الحق في تعدد الآراء والتصورات بما يعزز من عملية المشاركة في صنع القرار والتنظيم السياسي، الذي لا يكرس حق التنوع في بنياته التنظيمية هو في الأصل يمارس إقصاء وشمولية غير معلنة تكون لمصلحة استمرار سيطرة الطرف الأقوى وهذا لا يبرر بأي دواعي سياسية.
الديمقراطية الحقيقية ليست مجرد نظام سياسي أو عملية اختيار قادة من خلال منافسة سياسية انتخابية، بل هي طريقة حياة وثقافة ومجموعة قيم ترتكز على مفهوم الكرامة الإنسانية،([2]) بهذا المعنى فإن الديموقراطية الحقيقية هي الديمقراطية التنموية، والتي تسعى إلى – وتنجح في -  تحسين الوضع الإنساني للرجال والنساء، للأجيال الحاضرة والمقبلة على السواء، وبما يؤدي إلى أن يصبح الإنسان محور التنمية البشرية، والتي تعرف بأنها " عملية توسيع لخيارات الناس عن طريق توسيع الوظائف والقدرات البشرية ومن ثم تعبر التنمية البشرية عن النتائج التي تتحقق في هذه الوظائف والقدرات. وأهمها أن يحيا الناس حياة مديدة وصحية، وأن يحصلوا على المعرفة، وأن يحصلوا على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائق، فضلاً عن هذه الاختيارات الأساسية فإن التنمية البشرية تتضمن مجالات واختيارات أخرى تتضمن المشاركة والأمن والقابلية للاستدامة وضمان حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، فضلاً عن العدالة في توزيع ثمار التنمية والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والعرقية، وأخيراً فإن التنمية البشرية هي التنمية التي تضمن حصول النساء على حقوق المواطنة[3].
تعرف المواطنة بأنها "عضوية الفرد التامة والمسئولة في الدولة، وينتج عن هذه العضوية مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الطرفين نسميها الحقوق والواجبات"؛ وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى أن ''المواطنة هي علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة''. وهناك علاقة وطيدة بين مفهومي الدولة المدنية والمواطنة، إذ لا دولة مدنية بدون إقرار مبدأ المواطنة المتساوية بين أفراد المجتمع بحيث يستطيع كل مواطن ممارسة كافة حقوقه وواجباته في ظل المساواة ودون تمييز، كما أنه لا مواطنة مستديمة بدون دولة مدنية تسن القوانين التي تحمي مواطنيها وحقوق المواطنة وتكفل المساواة وتكافؤ الفرص ومتطلبات العيش الكريم للجميع.
تختلف قيمة الفردية في ظل المجتمع المنظم وفقاً لعلاقات المواطنة المتساوية، عن قيمة الفردية في المجتمع المنظم وفقاً للعلاقات التقليدية (القبلية والعشائرية)، فالأولى هي فردية مدنية تعزز استقلالية الفرد الذي يحترم استقلال الأفراد الآخرين وينظر إلى الآخرين باعتبارهم مساويين له في الحقوق والواجبات، أما الفردية في ظل المجتمع المنظم وفقاً للعلاقات التقليدية فإنها فردية متمركزة حول الذات Self Centeralized أو فردية شقاقية Factionalized، حيث يتم فصل ألذات عن الآخرين ثم يقسم الجسم الاجتماعي إلى أزواج متنافية: "القريب/ الغريب، العشيرة/ العشيرة المعاديةالخ، وفي ظل مجتمع الشقاق تسيطر روابط المواطنة، والقيم المبنية على الشقاق قيم بسيطة واختزالية، فالحقوق والواجبات محددة بدقة ووضوح على مستوى القبيلة والعشيرة أما الحقوق والواجبات على مستوى الوطن (خارج القبيلة) فإنها غير محددة وغير واضحة، ([4])
تمثل قيمة الفردية في المجتمع المنظم على أساس مبادئ المواطنة (وفي المجتمعات الليبرالية) قيمة أداتية أو وسيلية لتحقيق قيم غائية هي الديمقراطية والمساواة والعدالة، أما في المجتمعات المنظمة على أساس الروابط التقليدية فإنها تمثل قيمة غائية، حيث يسعى الفرد إلى تحقيق مصالحه الذاتية بغض النظر عن مدى تطابقها أو تعارضها مع مصالح الآخرين، وبالتالي يتم التضحية بالمصلحة العامة من أجل تحقيق المصالح الخاصة، وهذا هو ما يفسر انتشار الفساد والمحسوبية والشللية والمجاملات والاختلاس في المؤسـسات العامة، وفي ظل سيادة الفردية المتمركزة حول ألذات وارتقائها إلى قيمة غائية، تتحول قيم أخرى هامة إلى مجرد قيم وسيلية يلتزم بها الأفراد والجماعات إذا كانت تحقق مصالحهم، ويتفكرون لها إذا تعارضت مع مصالحهم" وفي مقدمة هذه القيم قيمة الديمقراطية، فعلى الرغم من إعلان كل القوى السياسية اليمنية منذ عام 1990 التزامها بالديمقراطية فقد تم التنكر لها من قبل كل القوى السياسية عام 1994، فقد استخدم المؤتمر الشعبي العام الديمقراطية كقيمة وسيلية لتعزيز سيطرته على السلطة وهيمنته على الحياة السياسية، وذلك من خلال اختزالها إلى مجرد عملية انتخابية وعدم توسيعها لتشمل المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتحويلها إلى أسلوب حياة، واستخدامها الحزب الاشتراكي اليمني كقيمة وسيلية وفقاً لفهم خاص ورفض نتائج اللعبة الانتخابية تحت دعوى رفض الاستقواء بالأغلبية الانتخابية، وتنكر لها التجمع اليمني للإصلاح من خلال مشاركته في الحرب التي اندلعت في صيف عام 1994 والتي مثلت انتهاكاً لأهم قيمة وسيلية من قيم الديمقراطية وهي قيمة الحل السلمي للخلافات السياسية، بل وزاد على ذلك أن أضفى على الصراع السياسي طابعاً دينياً عندما وصف الحرب بأنها حرب ضد قوى الردة[5].
لا يكتمل مفهوم المواطنة إلا بنشوء دولة القانون، ولا مواطنة حرة من دون أمة حرة. المواطنة الكاملة ممكنة في الأمة الحرة ذات السيادة؛ إن المواطنية هي التجسيد الحقوقي الفردي لتشكل الأمة ذات السيادة، والديمقراطية هي أرقى أشكال ممارسة المواطنية بتجسيدها للمواطنية عبر الأمة الديمقراطية سيدة ذاتها ومصيرها[6]. والدولة المدنية هي التي تمارس الحياد الايجابي تجاه القناعات والمعتقدات، بمعنى أن لا تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله، كما أنها لا تمنح ميزات لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله، فهي مؤسـسة جامعة لكل المواطنين وهي تمثل في المحصلة الأخيرة مجموع إرادات المواطنين.
إن اختزال مفهوم المواطنة في أشكال ومجالات محددة هو أحد الأسباب الرئيسة في تدني الشعور بالمواطنة لدى الكثير، والدليل على ذلك امتهان الممتلكات العامة من قبل المواطنين نظرا لاعتقادهم أنها ملك للحكومة وليست ملكاً لهم، والمواطنة لا تتحقق إلا في دولة مدنية ديمقراطية دستورية تصون كرامة المواطن وقناعاته في ممارسة معتقداته وأفكاره بالشكل الذي يؤمن بها في إطار الدستور الذي أقره الشعب، وهذا الدستور يحترم كافة حقوق المواطن وحرياته، فإذا كان للمواطن هذه المساواة في الحقوق التي يضمنها الدستور، فذلك يعني انعدام التمييز بين المواطنين لأي سبب كان، سواء لجنسهم رجالا كانوا أو نساء، أو مركزهم الاجتماعي أغنياء كانوا أو فقراء، أو دورهم السياسي رؤساء كانوا أو مرؤوسين، أو فكرهم، أو عقيدتهم أو مذاهبهم.
إذن العلاقة بين الدولة المدنية والمواطنة أساس بناء دولة المؤسـسات المدنية الديمقراطية، وأساس هذه العلاقة هي ممارسة الحقوق والالتزام بالواجبات، وحماية المصالح، فبدون حرية لا يمكن صيانة حقوق المواطنين، وبدون حرية لا يمكن للمواطنين القيام بواجباتهم تجاه الدولة.
كان أبرز أشكال التعاون الإنساني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في أعقاب ما ارتكب من فظاعة وجرائم أثناء الحرب العالمية، والتي كان من أهم دوافعها إلغاء التمايز العنصري والعرقي لجنس على الأجناس الأخرى، هو التعاون الإنساني في إصدار الأمم المتحدة الوليدة النشأة (1945) في ذلك الوقت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام (1948)، الذي أكد في ديباجته على أن الحقوق التي وردت في هذا الإعلان، هي مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بوصفه إنساناً، حيث يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم البعض بروح الإخاء.[7]
وقد أكد أيضاً الإعلان أن لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان واعتبارها حقوقاً غير قابلة التنازل عنها، وغير مشروعة الانتهاك لأي سبب من الأسباب، وأساس هذه الحقوق هو تحريم الاعتداء على الحياة الإنسانية (الإنسان كإنسان)، ولا يجوز تقييدها إلا لأسباب  يحددها القانون، وذلك استناداً إلى الحق في الحياة والآمن، حيث تنقسم هذه الحقوق إلى مجموعة من الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وإلى حقوق فردية وأخرى جماعية[8]
أما لماذا حقوق الإنسان؟ ليس هناك أسباب لهذه الحقوق غير أننا نولد أحراراً متساويين في هذا الكوكب، علينا أن نسعى فيه نحو تحقيق حياة كريمة، وهى حق أصيل لا يجوز التنازل عنه، أو انتهاكه، ويجب أن تحميه القوانين، وهى حقوق لصيقة بالشخصية الإنسانية، لا يتم الحصول عليها لا من منطلق أنها منحة أو مكافأة أو مؤشر أو دلالة على التميز، ولكن يتم الحصول عليها نتيجة الصفة الإنسانية .
من جهة أخرى بالإضافة إلى التزامات الدولة تجاه حقوق الإنسان فإنه يتطلب أيضا التزام الفرد والمجتمع كل تجاه الآخر، ويؤكد ذلك ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) في المادة 29 من إشارة واضحة للواجبات، حددت في جوانب أساسية هي:
-          على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يوجد فيه، وأن تنمو شخصيته نمواً حراً كاملاً.
-          يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط لضمان حقوق الغير وحرياته، واحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي.
ومع أن حقوق الإنسان جميعها حقوق متكاملة وغير قابلة للتجزئة، إلا أنه ينبغي أن نذكر هنا بإيجاز الحقوق التي تمثل المقومات الهامة للدولة المدنية ومشروعيتها، وعلى النحو الآتي:
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" هكذا قالها عمر وجاءت المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان "يولد جميع الناس أحراراً"، فالحرية يكسبها الإنسان فطرياً قبل أن تكون حقاً من حقوق الإنسان الطبيعية، والمواطن في الدولة المدنية الحديثة يتمتع بكافة الحقوق والحريات السياسية والمدنية، مثل حرية تشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية وحرية التعبير عن الرأي والانتخاب: الترشح والترشيح واختيار الحاكم، وتحديد شكل الحكومة والمشاركة فيها وحرية التظاهر والتجمع وتشكيل النقابات والإعلان عن أفكاره وآراءه بحرية تامة، وحرية المواطن في استخدام كافة الوسائل التي تمكنه من إيصال صوته للآخرين والتأثير على أصحاب القرار والحكم.
تتجسد الحريات السياسية والمدنية من خلال بناء مجتمع مدني يساهم فيه المواطن في صياغة التشريعات والقوانين من خلال المؤسـسات المدنية والأحزاب والصحافة وغيره، بما يمكنه من تجسيد حريته على مستوى الممارسة والعمل، "والحرية هنا تعتبر أكثر من كونها مجرد حق للإنسان، فهي بجانب كونها حق، هي فضيلة من الفضائل الأخلاقية السامية، بل هي على رأس الفضائل، ورغبة الإنسان في الحرية قوية، وهي أقوى من الرغبة الموازية لها في الأمن والاطمئنان. لهذا فإن الحرية، هي الرابح دائماً في نهاية المطاف، والمستقبل لحرية الشعوب، وليس لاستبداد الأنظمة ".[9]
إن الحريات المدنية والسياسية تمثل معياراً لمشروعية الأنظمة السياسية الحاكمة، وذلك من خلال الاختيار الحر للأفراد، أي اختيار الشعب للهيئة الحاكمة. فالنظم السياسية العربية غير الديمقراطية تواجه مشكلة المشروعية بشكل أو بأخر، ولهذا يسعى الحكام في هذه الحكومات إلى إضفاء طابع الشرعية على نظامهم من خلال التمسك بالحق الإلهي تارة، والاعتماد على سياسية التجهيل وتسطيح الوعي العام للناس وتلهيتهم بهموم المعيشة، أو استخدام سلاح التخويف من العدو الخارجي المتآمر وغيرها من الأدوات السياسية تارة أخرى في محاولة البقاء في سدة الحكم فترة أطول.
تمثل الحريات المدنية والسياسية أهم ضمانات الحد من طغيان الدولة واستبداد الحكام وفساد رموز النظام السياسي، ولهذا فإن الحكومات الجائرة أشد ما تخاف منه هو حرية الرأي والتعبير والنقد، وتحاول بشتى الوسائل إسكات أصوات المعارضة لتبقى متعالية عن النقد الموضوعي، لذلك فإن فتح أبواب الحريات السياسية والمدنية هو الأسلوب الوحيد لتحقيق العدالة في الواقع الاجتماعي للناس وان عدم كفالتها وحمايتها يمثل بداية قيام السلطة الفاسدة والمستبدة والاستئثار بها من قبل القائمين عليها.
يثار التساؤل: لماذا الحقوق المدنية والسياسية هي البداية؟ والإجابة ببساطة هي لأن من يمتلك حقاً على الآخر يمتلك سلطة عليه بشكل أو بآخر، وبالتالي عندما يمتلك المواطن حق اختيار من يمثله أو يحكمه، فهو يمتلك سلطة اختيار شاغلي مواقع السلطة التشريعية والتنفيذية العليا، وإيصالهم إليها، هذه السلطة أو هذا الحق هو الذي يحدث التوازن بين السلطات، لا سيما بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وبالتالي بين الحكومة والمواطن، باعتبار السلطة التشريعية ممثلة للمواطنين، لذلك لو انتهك هذا الحق تختل المعادلة بين المواطن والحاكم، وتصبح كل السلطة في يد الحاكم دون أن يكون في يد المواطن شيء، ويكون عليه مجموعة من الواجبات تجاه الدولة والمجتمع.
وتلتزم الدولة المدنية الديمقراطية باحترام الحق في حرية التجمع والتظاهر والتنظيم وتكفله لجميع المواطنين على أساس طوعي لغرض تحقيق نفع عام خيري أو تنموي، سياسي أو اجتماعي، وبحيث لا تتناقض هذه الأغراض مع مبادئ الدستور، أو مع نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1966؛ كما تشجع الدولة المدنية المبادرات الاجتماعية والثقافية التي تغني الحياة العامة، وتساعد المواطنين على أخذ دور في تصميم حياتهم وتقرير مصيرهم. وتعزّز الدولة المدنية عملية نشوء حيز عام بين الدولة والمواطنين يصممه المواطنون ويحيونه بمبادراتهم التعاقدية المنظمة واتحاداتهم الطوعية وجمعياتهم ومنتدياتهم وحواراتهم.
نصت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقه"، فحرية الرأي والتعبير هي حق أصيل لكل إنسان ومن أهم الحقوق المدنية والسياسية، ويقصد بها حرية اعتناق الأفكار والآراء والتعبير عنها عن طريق القول أو الكتابة أو عمل فني بدون رقابة أو قيود أو مضايقة، على أن لا تكون طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره اعتداء على حرية الآخرين، ويرتبط الحق في حرية الرأي والتعبير بكثير من الحقوق كالحق في حرية الفكر والمعتقد والحريات الصحفية وحرية الإعلام وتعدده، والحق في حرية التجمع والتظاهر السلمي، وحرية تكوين المؤسـسات والنقابات والمنظمات، فضلاً عن ارتباط بمبدأ الشفافية وحرية المعلومات. ويتكامل هذا الحق بكونه شرطاً للدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن التنوع والاختلاف في الرأي وتكفل لكل مواطن ممارسة هذا الحق واستخدام كافة الوسائل اللازمة لذلك.
إن ممارسة حرية الرأي والتعبير تزداد أهميتها في رفع الوعي وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات، إضافة إلى ترسيخ الثقافة المدنية والديمقراطية التي تلعب دوراً في تنظيم وتفعيل مشاركة المواطنين في الشأن العام وتقييم السياسات المؤثرة في شئون حياتهم كأفراد أو مؤسـسات وصياغة القرارات ذات الشأن العام، والمساهمة في صياغة التحولات الهامة في المجتمعات.
نصت المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين"، وهذا ما توافقت عليه كافة المواثيق وأقرته كل الكتب السماوية، وأجمعت عليه كل التكوينات الإنسانية.
فالدولة المدنية ليست نقيضا للدين ولا تستبعده، ولكنها تضم المؤسـسات الدينية وغير الدينية، وتفتح ذراعيها لإسهام الجميع في تحقيق المقاصد العليا للمجتمع" [10]. ويقرر القرآن حرية الاعتقاد ويعتبرها حقا من حقوق الإنسان، ذلك أن الله خلق الإنسان وزوده بالعقل والقدرة على التمييز بين الأشياء، وأبان له السبل ثم ترك له حرية الاختيار. يقول تعالى: " إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاٌ بصيراٌ. إنا هديناه السبيل إما شاكراٌ وإما كفوراٌ"[11]. وبعد أن يحث القرآن في هذه السورة على الإيمان وإتباع سبيل الإسلام، يقول في خاتمتها : " إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاٌ. وما تشاؤون إلا أن يشاء الله، إن الله كان عليماُ حكيماٌ". ويؤكد القرآن هذا المعنى في سورة أخرى، فيقول: " لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي...". ويكفل للمواطن حرية الفكر والمعتقد والضمير، ويحظر استخدام أجهزة الدولة لغرض التدخل في معتقدات الناس لإملاء سلوك عليهم يدعي أنه مشتق من الدين، أو أنه التفسير الوحيد الصحيح للدين القويم. وليست هذه وظيفة الدولة الديمقراطية.[12]
ويرتبط الحق في حرية الفكر والمعتقد بالحق في الاختلاف الذي ينبغي أن يكفل القانون وأن يتعايش أفراد المجتمع في ظل التنوع والاختلاف في الفكر أو الدين أو المذهب أو الاتجاه السياسي أو الفكري أو العقائدي.
" إن الحقوق والحريات لا يمكن لها أن تقوم إلا في ظل دولة قانونية تكفل هذه الحقوق وتحميها. إن الحقوق والحريات تعتزم بناء مؤسـسات دستورية أساسها مشاركة كل الأفراد في تسيير الشؤون العامة والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وضمان الحرية لكل فرد ".
لقد صدر في العام 1966 عن الأمم المتحدة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي تضمن تفصيلا لتلك الحقوق التي تمثلت في حق العيش برفاهية، وحق التعليم، وحق التمتع بمنتجات العلم والثقافة، والرعاية الصحية، والمسكن الملائم، والحق في سلامة الجسم، والحق في الحياة الكريمة اللائقة، والحق في حرية الانتقال، والحق في تكوين التنظيمات النقابية، والحق في تكوين الأسرة والزواج، وحق العمل، والحق في التملك، وحق الحماية القانونية والمحاكمة العادلة، وحق التمتع بالجنسية؛ ويجب أن يحصل عليها الفرد في أي مجتمع، بمعنى أنه يمكن بل يجب أن يطالب بها ويدافع عنها كفرد من خلال ممارستها والوعي بها، والتمسك بها، وتشكيل المنظمات المدنية التي تدافع عنها، والانضمام إليها والتفاعل معها.
في نفس الوقت توجد حقوق إنسانية جماعية قد تكون مرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو بالحقوق المدنية والسياسية لكنها جاءت في الجيل الثالث من الحقوق بصورة موضوعية أو فئوية، أي تتم المطالبة بها والدفاع عنها على مستوى المجتمع ككل، أو على مستوى فئات منه، من أهمها وأبرزها الحق في الديمقراطية، والحق في التنمية، والحق في بيئة نظيفة، كحقوق جماعية شاملة، ومنها حقوق جماعية على مستوى فئات معينة من أهمها حقوق المرأة، والطفل، وسواء كانت هذه الحقوق فردية أو جماعية، فإنه يجب الوعي والمطالبة بها، والدفاع عنها من خلال إنشاء وتدعيم وتنمية منظمات المجتمع المدني، التي يجب أن تشكل القطاع الثالث القادر على تنظيم المواطنين العاديين لإحداث التوازن بين القطاع الأول الحكومة بكل أجهزتها، والقطاع الخاص بكل قدراته وإمكاناته، هذا التوازن الذي قد يؤدى إلى إنصاف المواطن، والحصول على حقوقه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بشكل متكامل.
إن حقوق الإنسان تتضمن الحق في التنمية، والحق في التنمية يدعم حقوق الإنسان، باعتبار أن الحق في التنمية قد تم التوجه العالمي إليه كحق أصيل، حيث صدر إعلان الأمم المتحدة في 1986 بشأن الحق في التنمية كأحد أهم جوانب حقوق الإنسان، وإذا كان الحق في التنمية هو أحد أهم حقوق الإنسان ليس كفرد فقط ولكن كحق جماعي ومجتمعي، فإن لهذا الحق جانبان أساسيان:
الأول :  حق المشاركة في التنمية، وهو يتضمن حق التمكين من أجل المشاركة.
الثاني :  حق الحصول على عوائد التنمية، ويتضمن هذا الحق الحصول على خدمات تؤدي إلى تحسين حياة الفرد، وتطورها نحو الأفضل.
وينبغي الإشارة هنا إلى إعلان الأهداف الألفية للتنمية الصادرة في مطلع الألفية الجديدة التي شكلت منعطفا هاما في الميدان الحقوقي خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الحقوق الجماعية.
ويلتقي الحق في التنمية مع حقوق الإنسان عند مفهوم التنمية البشرية باعتبارها جوهر وأساس ليس فقط التنمية بمفهومها الشامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، ولكن باعتبارها أساس حقوق الإنسان، فالتنمية الشاملة والمستقلة والمستدامة لا تتحقق دون حقوق الإنسان والتنمية البشرية.
إن الأكثرية في الدولة الديمقراطية هي الأكثرية الديمقراطية وليس الأكثرية الدينية أو المذهبية أو القومية، وإن الأقلية هي الأقلية الديمقراطية، وليس الأقلية الدينية أو القومية. وهي أكثريات وأقليات متقاطعة بالطبع، ولكنها ليست متطابقة، لا في الواقع ولا في المفهوم والمصطلح.[13] ولما كانت مصالح الأفراد ومصالح الجماعات مختلفة ومتباينة ومتعددة، فإن كل فرد سيسعى إلى تحقيق أهدافه وكل جماعة سوف تسعى إلى تحقيق أهدافها وقيمها والتي قد تتعارض مع مصالح وأهداف أفراد آخرين وجماعات أخرى، الأمر الذي أما قد يؤدي إلى حالة من الصراع في المجتمع أو يؤدي إلى إنتاج حالة من التمايز الاجتماعي الشديد، بحيث يسيطر الأفراد (والجماعات) الذين يتمتعون بالقوة Power والهيبة الاجتماعية على مقدرات المجتمع، وبالتالي يفرضون قيمهم وبالتالي مصالحهم على الآخرين، الأمر الذي يترتب عليه سيادة المصالح الخاصة على المصلحة العامة[14].
تقوم الدولة المدنية على الإقرار بحقوق الأقليات سواء أكانوا سياسيين أو طوائف أم قوى اجتماعية أو مذهبية أو دينية أو ثقافية أو عرقية أو طبقة اقتصادية ... وينص على ذلك في الدستور أو في الوثائق المرجعية للدولة من تشريعات وقوانين وغيرها، وإقرار مبدأ التعددية السياسية والدينية/المذهبية والعرقية والثقافية، والقبول بالآخر كما هو - رغم الاختلاف، والعمل بقيم التسامح في المجال السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي، بما يعزز مبدأ التعايش السلمي في المجتمع والسلام والأمن الاجتماعي، ويؤدي إلى نبذ العنف والكراهية بين طوائف المجتمع ومكوناته.
وتعتمد الدولة المدنية على مجموعة من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، ولذا تكفل المادة (27) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حق الأقليات العرقية والدينية واللغوية وغيرها في التمتع في الدول التي يعيشون فيها بثقافتهم الخاصة وحقهم كأفراد في أن يعتنقوا ويمارسوا شعائرهم الدينية وفي استخدام لغتهم الخاصة؛ والهدف من حماية هذه الحقوق هو الإبقاء على التراث الثقافي بمعناه الواسع الشامل للأقليات بما يثري المجتمع ككل.
إن الانتقال من الاستبداد إلي الديمقراطية يتطلب أولا وفي الأساس تحرير الإنسان وإطلاق طاقاته ليصبح القوة الأساسية في التنمية، ولا يمكن الحديث عن تحرير الإنسان طالما بقيت رواسب الاستبداد قائمة في المجتمع علي شكل نظم حكم سلطوية وثقافة غير ديمقراطية، وما لم يشمل التحول الديمقراطي كافة مجالات المجتمع فإنه لا مجال للحديث عن تحرير الإنسان. كما لا يمكن استكمال التحول إلي الديمقراطية بدون بناء المؤسـسات التي تمارس من خلالها هذه الطريقة في الحياة، أو بدون توافر الآليات التي يتم من خلالها وضع هذه القيم الديمقراطية موضع التطبيق وشمولها المجتمع كله[15]؛ ومن الأهمية بمكان أن نسعى إلى بناء مؤسـسات مجتمع ديمقراطي ونشر ثقافة ومبادئ وقيم الديمقراطية من أجل تحقيق دولة مدنية دولة النظام والقانون، لذا ينبغي الخروج من " الجدال المشكوك في براءته ومقاصده حول الدولة الدينية والدولة المدنية، الذي يؤدي إلى تبديد طاقتنا ويضيع وقتنا، ويشغلنا عن إقامة الدولة الديمقراطية، التي هي المشكلة وهي الحل".[16]
في 22 مايو 1990م تم إعادة توحيد شطري اليمن لينشأ كيان سياسي جديد هو الجمهورية اليمنية، وقد تزامن هذا التحول السياسي تحولات ديمقراطية باتجاه الاعتراف بحقوق المواطنة وحقوق الإنسان وهو ما يمثل نقلة نوعية في مجال التحديث السياسي، فقد ساوى دستور دولة الوحدة ( الذي تم الاستفتاء عليه يومي 15 و 16 مايو عام 1993 ) بين المواطنين، وكفل لهم جميع حقوقهم السياسية والمدنية، دون تمييز على أساس النوع أو الجنس أو اللون أو الانتماء الاجتماعي أو الأصل السلالي، فقد نصت المادة (27) من دستور دولة الوحدة على أن "المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة"، وتضمن الدستور اليمني - باعتباره وثيقة تتضمن التوجهات العامة للنظام السياسي والاقتصادي للدولة - قيماً مجردة متفقة مع قيم حقوق الإنسان الواردة في الشرعة الدولية، والتي تمثل القيم الملائمة لبناء نظام لبرالي،  وتتمثل أهم القيم التي تضمنها الدستور اليمني في: الحرية، احترام القانون، الأمن، العدالة الاجتماعية، التكافل الاجتماعي، تكافؤ الفرص، التنافس المشروع، احترام الملكية الخاصة، التعاون، العدل، المساواة، المشاركة، المواطنة المتساوية، المصلحة العامة والوحدة الوطنية[17].
بدأت اليمن في التحول نحو الديمقراطية منذ مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، ونفذت عدداً من التغييرات في المجالات السياسية والاقتصادية والتشريعية والمؤسـسية، إلا أن مراجعة وتقييم التجربة بشكل عام تشير إلى أن التحول الديمقراطي في اليمن يعاني أزمة بنيوية، وتوصف التجارب الديمقراطية بأنها مأزومة عندما لا تستطع حل مشكلاتها الأساسية وتحقيق أهدافها، وترجع الأزمة بشكل أساسي إلى جزئية التحولات الاجتماعية وعدم شمولها وعدم اكتمالها، وفي حالة اليمن فإن أزمة التغير الاجتماعي ترجع إلى ما سمي بالإفراط في التغيير السياسي Super- Politicization، وإهمال الجوانب الأخرى الاجتماعية والثقافية، الأمر الذي أفرز تجربة ديمقراطية دون قوى ديمقراطية ودون ثقافة ديمقراطية، فالديمقراطية اليمنية هي ديمقراطية تقودها قوى اجتماعية تقليدية وتوجهها ثقافة شمولية، فالتحديث يشير إلى عملية تحول المجتمع من مجتمع تقليدي قائم على المكانة التقليدية المتوارثة للأفراد، إلى مجتمع المواطنة المتساوية، أي تأسيس الدولة القومية التي تؤسـس نظاماً سياسياً فعالاً، يتم في ظله الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الاجتماعية، وتصبح الحكومة هي مؤسـسة الحكم الوحيدة وليس القبيلة أو الطائفة أو السلالة[18].  لم تؤد التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها اليمن خلال السنوات الخمس عشرة الماضية إلى ترشيد السلطة، فقد ظلت السلطة خاضعة لتأثير القوى الاجتماعية التقليدية، يرجع ذلك إلى أن التحولات التي شهدتها اليمن تمت بمبادرة من السلطة (استجابة لمتغيرات داخلية وخارجية)، ولم تتم من خلال حركات اجتماعية، و يمكن وصفها بأنها تغيرات تكيفية وليست تغيرات حقيقية، وتتسم إلى حد كبير بالشكلية، فالتحول نحو نظام ديمقراطي انتخابي لا يعني تحقق الديمقراطية الحقيقية، ذلك أن كثير من السلطات في العالم الثالث نفذت تحولات سياسية باتجاه الديمقراطية لكنها لا تؤمن بقيمة التداول السلمي للسلطة إيماناً حقيقياً. الديمقراطية هي الوسيلة الحقيقية لخلق السلطة السياسية وترشيد السلطة، إلا أن ما حدث في اليمن هو منح القوى التقليدية وشيوخ القبائل مزيد من القوة وتمكينهم من الوصول إلى مواقع السلطة على المستويين المركزي والمحلي، فمعظم مقاعد البرلمان والمجالس المحلية فاز بها شيوخ القبائل، واحتل أفراد النخبة التقليدية الجديدة (أبناء شيوخ القبائل الذين تلقوا تعليماً حديثاً) Neo-Traditional elite مواقع هامة في الجهاز الإداري للدولة والحكومة، الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بالمشاركة كقيمة مجسدة، فبدلاً من تجسيد قيمة المشاركة من خلال إشراك المواطنين بشكل حقيقي وحر في اختيار حكامهم وممثليهم وفي صناعة القرارات الخاصة بمجتمعهم، تم تعبئتهم بشكل زائف.
إذا كانت الديمقراطية تعني الحق في التعدد السياسي والاجتماعي، فإن الاعتراف بالآخر أو اعتراف كل القوى والأطراف ببعضها يمثل الضمان الفعلي للممارسة الديمقراطية بدون رغبة أو محاولة من طرف لإقصاء الآخر، فيتحقق التعايش الذي يمثل الشرط الموضوعي للاستقرار السياسي والمجتمعي، وقد نجحت الديمقراطية تاريخيا في تحقيق التعايش المعبر عن الاعتراف بالتعددية في المجتمعات الغربية التي تعانى من اشد أنواع التعدديات الدينية والعرقية واللغوية وأكثرها حدة، ولم يعد الوصول إلى السلطة يتطلب صراعاً وغلبة، ولكن يعتمد على التنافس البرامجي، وهنا نشير إلى أن مفهوم الأقلية والأغلبية في إطار الديمقراطية وبالمدلول السياسي أصبح أيضا يعتمد على التنافس ويؤكد على الحق في المواطنة المتساوية بكل ما يترتب على ذلك من حقوق وحريات تؤكد على أن السلطة ملكية عامة مشتركة بين كافة المكونات السياسية والمجتمعية، ويقاس على ذلك ما يتعلق بمسألة الولاء والانتماء، حيث لا يكون الولاء إلا بمقدار الشعور بالانتماء للأمة والوطن لأن المواطنة بمعناها القانوني هي الانتماء لوطن على أساس المساواة في الحقوق والواجبات والتوافق على قيم وطنية جامعة كالحرية والعدالة والمساواة. 
إن تأصيل ثقافة المجتمع المدني ، باعتبارها أهم عوامل بناء دولة مدنية، تعمل على مجابهة كل محاولات التهميش والعزلة للفئات الأقل قدرة ، أو محاولة إيجاد الوطن الموازى الذي يضم القادرين ، في مجمعات وتجمعات خاصة بهم ، لهم حياتهم ، وأنماطهم الثقافية والسياسية والاجتماعية بعيداً عن غير القادرين ، الذي ينظر إليهم القادرين بنظرة متدنية ، أساسها أن حقوقهم لا تتساوى مع حقوق هؤلاء ، وأنهم هم المسئولون عن قصور قدرتهم ، وعدم تمكينهم لأنفسهم بالكامل ، ورغبتهم في الانسحاب ، والتواكل.
يتطلب تجسيد قيم المواطنة في المقام الأول تفعيل قيمة الحرية، والتي بدورها تستلزم تفعيل قيمه الفردية، وذلك يعني أن على الدولة أن تعمل على إضعاف الانتماءات قبل الوطنية، كالانتماء للقبيلة والطائفة والسلالة، فالفردية لا تتحقق إلا في ظل المجتمع المنقسم أفقياً أي المجتمع المنقسم إلى طبقات وشرائح اجتماعية، أما في المجتمعات المنقسمة رأسياً (قبائل، سلالات، طوائف) فإن الأفراد فيها لا يتمتعون سوى بقدر محدود من الحرية، وبالتالي فإنهم حاملون لوعي جماعي لا وعي فردي واجتماعي.
ترتب على هيمنة البنى التقليدية على المجتمع اليمني إعاقة تشكل الوعي الاجتماعي وانتشار الوعي الزائف، فالوعي الاجتماعي يعني أن الفرد يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة ومصالحه الفردية من جانب ومصالح الطبقات الاجتماعية التي ينتمي إليها من جانبٍ آخر، فالسلوك السياسي والاقتصادي للفقراء يسعى إلى الدفاع عن مصالح الفقراء، وأصحاب رؤوس الأموال يسعون إلى تحقيق الربح لهم كأفراد وفي ذات الوقت يسعون إلى توجيه السياسات والبرامج والأطر القانونية والتشريعية باتجاه تحقيق مصالحهم كطبقة، أما في ظل المجتمعات المنقسمة رأسياً والتي أعيق فيها استقلال الأفراد عن جماعاتهم الإثنية والقبلية والعشائرية فإن الأفراد يتبنون أحياناً وعياً زائفاً، حيث يسعى الأفراد إلى تحقيق مصالح جماعتهم الإثنية والقبلية بغض النظر عن مدى اتفاقها مع مصالحهم الفردية والطبقية في بعض الأحيان، وهذا ما يفسر هيمنة النخبة التقليدية على البرلمان اليمني رغم انتشار الفقر في المجتمع، فالأفراد بدلاً من أن يصوتوا في الانتخابات لصالح مرشحين يتفقون معهم في الانتماءات الاجتماعية والمصالح الطبقية ويختلفون معهم في الانتماءات القبلية والعشائرية، يصوتون لصالح الشيوخ القبائل التي ينتمون إليها[19].
يتسم الصراع في الديمقراطيات الراسخة وفي مجتمعات الحكم الصالح، بأنه صراع اجتماعي بين مجموعات من المواطنين الذين تختلف مصالحهم، وأن ساحته هي مؤسـسات المجتمع المدني وأنه محكوم بأساليب قانونية وانتخابية سلمية تنظمها دولة محايدة، وأن هدفه الأول هو التداول السلمي للسلطة، وتغيير السياسات بما يتلاءم مع مصالح المجموعات المتصارعة، أما في اليمن فإن كثيراً من هذه السمات لم تتحقق بعد، فلم يتم بعد استكمال مأسـسة السلطة السياسية وبناء الدولة القومية، ولم يتم فصل المجال السياسي عن المجال الاجتماعي، وفصل السلطة عن أشخاص ممارسيها، الأمر الذي ترتب عليه تشوه العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وبسبب هذا التشوه أضحى المواطنين غير قادرين على توجيه السياسات والدفاع عن مصالحهم عبر مؤسـسات المجتمع المدني، فسعى كثير منهم إلى الالتحاق بالدولة ( وبالتالي بالحزب الحاكم ) باعتبارها الآلية الوحيدة للتعبير عن رؤاهم السياسية والدفاع عن مصالحهم الاقتصادية، وقد شهدت السنوات الماضية التحاق عدد كبير من أعضاء الأحزاب المعارضة بالحزب الحاكم، ودأبت صحفه إلى نشر أخبار حول مثل هذا التحول في الولاء السياسي باعتباره انتصاراً له، وهو في الحقيقة يعكس بجلاء عدم سواء الحياة السياسية، وتشوه العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وانحراف النظام السياسي عن التعددية السياسية الحقيقية، وتحولها إلى نظام الحزب الواحد الحاكم بمظهر شكلي تعددي، لذلك فإن الانتخابات اليمنية لا تشكل آلية للتداول السلمي للسلطة، وإنما تشكل آلية لدورة النخب القبلية. الأمر الذي أضفى على الثقافة السياسية والثقافة المدنية عدداً من سمات صراع الأقليات، حيث تسعى كل أقلية إلى السيطرة على جهاز الدولة لإدارته بما يخدم أهدافها، وممارسة الهيمنة على الأقليات الأخرى من خلاله[20].
تتولى الثقافة المدنية في ظل الدولة المدنية الحديثة عملية إنضاج الممارسة الديمقراطية في الواقع المجتمعي فكراً وممارسة، وتبدأ هذه العملية بتنوير الناس بمصفوفة الحقوق مقابل الواجبات بحيث يكون المواطن قادراً على المطالبة بحقوقه والحصول عليها، وتتولى النخبة المثقفة نشر الثقافة المدنية عبر وسائط التوعية ومؤسـسات التنشئة السياسية والاجتماعية ووسائل الاتصال الجماهيري، وكلما زاد الوعي بالديمقراطية، زادت معدلات المشاركة السياسية الواعية والفاعلة، وانعكس ذلك إيجابا على حدوث تطور سياسي يؤدى إلى تطور مجتمعي عام بفعل التكامل بين البناء الفوقي والتحتي، لكن ما هو حاصل هو أن بعض الأنظمة السياسية تستمد قوتها من جهل المواطن بحقوقه أولاٌ، وعدم قدرته على المطالبة بها، وحيثما تظهر مطالبات ينظر إليها على أنها خروج عن الإجماع الذي يوصف أحيانا بالشارع استهجانا، ولذلك تبدو الديمقراطية لا علاقة لها بالواقع ما يزيد من حجم الفجوة بين النظرية والممارسة، وبين النخب والشعب، وقد ظهر هذا الخلل مع اندلاع موجة الاحتجاجات الشبابية على كافة المستويات، ما يعني ويحتم ضرورة إعادة تفعيل دور الثقافة في العملية السياسية والممارسة الديمقراطية، وبالتالي فإن التربية على ثقافة الديمقراطية تقتضي تجذير ثقافة التسامح والسلام والحوار والمشاركة والتنوع في الواقع العملي.
 ويمثل التنوع الثقافي والتعددية الاجتماعية والسياسية أحد أهم ضمانات بناء الدولة المدنية، فالتنوع القائم في الساحات حالياً هو الضمان لبناء الدولة المدنية، فعند وضع الدستور وتصميم مؤسـسات الدولة وإصلاح أجهزتها، لن يستطع أصحاب التوجهات اليسارية فرض توجهاتهم في وجود الإخوان المسلمين، ولن يستطيع الإخوان المسلمين فرض توجهاتهم في وجود الحوثيين والاشتراكيين والناصريين وغيرهم، ولن يستطيع الحوثيين فرض توجهاتهم في ظل وجود شيوخ القبائل المستقلين، والتكتلات السياسية الحزبية القومية واليسارية، وهكذا. وقد ذكر المفكر العربي عزمي بشارة في أفكار ميثاقية لأي ثورة عربية أن ليس للثورات العربية حزب سياسي، بل تفجرت الثورات على أساس برنامجه المفترض أن يطبقه حينما يستلم الحكم بعد الثورة. فالقوى التي قادت الثورات هي قوى تراوح نشاطها بين التنظيم والعفوية. وهي خططت لأعمال احتجاج أو خرجت مستمدة شجاعتها من نجاح ثورات أخرى في إسقاط الحكم، وذلك قبل أن يشكل أي منها نموذجا في الحكم أو في إدارة البلاد. لقد قادت الثورات العربية ومازالت تقودها قوى شبابية ونشطاء دعمتهم لاحقاً قوى سياسية مختلفة متفاوتة القوة، ولكن لم يكن بوسع أيٍ منها أن يقود الثورة لوحده، حتى لو افترضنا توفر قوة انتخابية عددية مفترضة لديه في تلك اللحظة. فهو وحده لا يصنع الثورة، والدليل أنه لم يصنع ثورة حتى نشبت الثورة من دونه، ثم استمرت بمشاركته[21]. وهذه الثورات التي نجحت والتي ما زالت هي التي تصنع ثقافتها المدنية الحديثة على أسـس ديمقراطية ومدنية وحقوقية وتنشئة متجددة .
يشير الخطاب السياسي الرسمي للدولة منذ عام 1990 إلى أنها تسعى إلى تقليص دورها في المجال السياسي لصالح المجتمع المدني، وذلك بهدف توسيع مجال مشاركة المواطنين في صناعة القرارات ورسم السياسات، واتخذت عدداً من الإجراءات لتحقيق ذلك، وفي مقدمتها السماح بالتعددية السياسية وتنفيذ عدد من الدورات الانتخابية، والتحول نحو اللامركزية والحكم المحلي، مع ذلك فإن هذه الإجراءات لم تتحقق أهدافها، يرجع ذلك إلى أن التحول الديمقراطي تم في ظل بنى اجتماعية تقليدية، ولم يتزامن معه أو يواكبه تنفيذ إستراتيجية للتحديث، فضلاً عن اقتصاره على المجال السياسي، وبروز ظاهرة التسييس المفرط للديمقراطية، بمعنى أن الديمقراطية تم تأسيسها دون تكريس ثقافة ديمقراطية، الأمر الذي أعاق التداول السلمي للسلطة، فالطبقة التي كانت تحكم في ظل الشمولية هي نفسها التي تحكم الآن في ظل الديمقراطية، وما يتم من تغيير محدود لأفرادها لا يمثل تداولاً للسلطة بقدر ما يمثل دورة للنخبة الحاكمة. 
على الرغم من أن التحول الديمقراطي في اليمن كان مدعوماً من قبل منظمات دولية وشركاء دوليين آخرين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قدم هؤلاء مؤخراً مبادرات ومشروعات لإصلاح الديمقراطية في اليمن ضمن مشروع أوسع للإصلاح الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط عموماً، إلا أن معظم هذه المشروعات – إن لم يكن كلها – لم تتضمن رؤية وتصوراً حول التحديث، ولم تؤكد على ضرورته، فالمفكرين والباحثين الاستراتيجيين الأمريكيين الذين أعدوا مشروع الشرق الأوسط الكبير وغيره من برامج ومشروعات إصلاح الديمقراطية في الشرق الأوسط عموماً واليمن بشكل خاص، لم يأخذوا بعين الاعتبار خصوصية الأوضاع الاجتماعية والثقافية في اليمن والشرق الأوسط عموماً، وأسقطوا الخبرة الأمريكية عليها، وقدموا رؤى لإصلاحات قطاعية يتم تنفيذها في ظل البنى الاجتماعية والأطر الثقافية القائمة، الأمر الذي نعتقد أنه سوف يمثل سبباً رئيسياً لفشل مشروع إصلاح الديمقراطية في اليمن ومشروع الشرق الأوسط الكبير عموماً، وهو ما تنبه إليه الصحفي روبرت كابلان Robert D. Kaplan  عندما قال: " إن جهود فترة ما بعد الحرب الباردة لفرض الديمقراطية تخلو من منطق معقول، فنحن نصوب البنادق إلى رؤوس شعوب العالم النامي، ونقول لهم: تصرفوا كما لو أن 95 % من شعوبكم متعلمون.. تصرفوا كما لو أنه لا يوجد بينكم صراع عرقي أو إقليمي دامي " [22]، بل أن بوادر فشله قد بدأت في العراق، وهي الدولة التي يقوم الأمريكيون بتنفيذ الإصلاحات فيها بأنفسهم، ناهيك عن الدول العربية الأخرى التي سوف يعهد للسلطات فيها بتنفيذ الإصلاحات، فهي على الرغم من أنها لن تؤدي إلى حروب أهلية إلا أنها في ظل البنى الاجتماعية والثقافية القائمة ستكون إصلاحات شكلية مفرغة من معانيها الحقيقية.
الديمقراطية ليست وصفة كيمائية، بل هي نظام سياسي اجتماعي لإدارة الدولة والمجتمع، لذلك فإنها بحاجة إلى مراجعة دائمة وإصلاح مستمر، ليس فقط في مجتمعات الديمقراطية الناشئة، بل أيضاً في الديمقراطيات الراسخة، ويكمن الفرق فقط في طبيعة الإصلاحات المطلوب تنفيذها، فبينما يتطلب الأمر تنفيذ بعض الإصلاحات الجزئية في الديمقراطيات العريقة، فإن الإصلاحات التي يتطلب تنفيذها في المجتمعات حديثة التحول الديمقراطي، هي إصلاحات بنيوية أو هيكلية، والحقيقة أن اليمن شهدت خلال السنوات الماضية بعض الجهود الإصلاحية، إلا أن تلك الجهود كانت جهوداً جزئية، ولم تُصِب البنى الاجتماعية والثقافية، لذلك فإن جهود الإصلاح هذه لم تستطع أن تخرج التجربة الديمقراطية من أزمتها، بل ربما ساهمت في تعميقها، وتتمثل أهم أسباب أزمة التحول الديمقراطي في استمرار قصور بناء الدولة القومية، تشوه العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، حصر التحول الديمقراطي على المجال السياسي، تبعية الاقتصاد للسياسة، وهيمنة القوى التقليدية على مؤسـسات وأجهزة صناعة القرار.
المشاركة تعني المساهمة المباشرة لكل فرد من الأفراد في شئون المجتمع في كافة المستويات وفي شتى المجالات. والمشاركة ينبغي أن تكون رأسية وأفقية وتشمل الجنسين على أساس المساواة بينهما، ولعل أهم ضمانات المشاركة في الدولة المدنية الديمقراطية هو القانون، فضلا عن أهمية دعم مشاركة الفئات اللازمة للتنمية في شتى المجالات؛ فمثلا يراعى في الانتخابات مبدأ نسبية التمثيل بحيث يمنح تمثيلاً لأكبر قدر ممكن من التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية، وبحيث لا يصادر حق أحد بالتمثيل النيابي لأنه أقلية في منطقة ما، ولا بد من تمثيل التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية ذات الوجود ولو كأقلية على المستوى الوطني. كما يراعى حيث يلزم مبدأ التوافق لمنع حرمان فئات واسعة من التمثيل والمشاركة؛ وتبقى الأولوية هي لمبدأ النسبية القائم على تمثيل المواطنين بواسطة مواطنين آخرين منتظمين في جماعات واتحادات سياسية طوعية بناء على مواقف وبرامج سياسية تخص المجتمع ككل، وليس بناء على هويات خصوصية؛ ولا بد من تجنب أي نظام انتخابي يؤدي إلى اصطفاف هويات مقابل بعضها البعض، أو إلى تغييب تمثيل كتل سياسية كاملة.
إن المجتمع اليمني لا يعاني من تنوع وتعدد اجتماعي وثقافي حاد يعيق تحقيق التوافق الوطني، وعلى سبيل المثال موضوع القبيلة التي توصف بأنها تمثل نقيضا للدولة المدنية، ويطرح هذا التصور بقوة فيما يتعلق بانضمام رموز البنية القبلية في اليمن لثورة الشباب السلمية ومدى قناعتها بذلك وهي تعلم أن الهدف هو قيام دولة مدنية، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن ذلك هو بداية ايجابية لتحقيق عملية الاندماج الوطني بقالب الحداثة وتحفيز القوى المشاركة على الإسهام الفاعل على اعتبار أن الدولة المدنية تقوم على تحقيق التعايش بين كافة المكونات كشرط لازم لتحقيق الاستقرار والتطور بما يعني عدم استخدام سياسة ضرب القوى السياسية والاجتماعية ببعضها.
الأمر كذلك يتعلق بموضوع العلاقة بالدين فالمجتمع اليمني لا يعاني من تعددية الأديان ولكنها تعددية في إطار التنوع في ممارسة بعض العبادات وبالتالي لا توجد قوى اجتماعية كبيرة بمعتقدات دينية متعارضة يمكن أن تعرقل عملية التحول نحو بناء الدولة المدنية الحديثة.

الإصلاحات التشريعية تعديل الدستور:
إصلاح التشريعات الانتخابية بما يدعم التعددية والتنافسية
نظام حكم محلي واسع الصلاحيات.



[1] روبرت أ. دال ، التحليل السياسي الحديث ، ترجمة د. علاء أبو زيد ، الطبعة الخامسة ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، القاهرة 1993 .
[2] لاري دايموند، الثورة الديمقراطية: النضال من أجل الحرية والتعددية في العالم النامي، ترجمة سمية فلوعبود، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى، 1995م، ص9.
[3] انظر، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 2000، ص17.

[4] انظر هشام شرابي، البنية البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر، دار الطليعة، بيروت، 1987، ص40.
[5] عادل الشرجبي، أزمة التحول الديمقراطي في اليمن، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، 2005.
[6] عزمي بشارة، مرجع سابق.
[7] البشير الشافعي ، قانون حقوق الإنسان ومصادره ، حقوق الإنسان ، المجلد الثاني ، دار العلم للملايين ، القاهرة ، 1989 .
[8] د. محمد كمال مصطفي، حقوق الإنسان والتنمية والمجتمع المدني، القاهرة، ديسمبر 2009م.
[9] أحمد قبانجي، الحريات السياسية في المجتمع المدني، على الرابط التالي: http://dc315.4shared.com/download/wY636HKy/_____-__.pdf?tsid=20110919-164109-9975b00f
[10] فهمي هويدي، مقال الدولة الديمقراطية قبل المدنية أو الدينية، الجزيرة نت، على الرابط التالي: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/3060EA5F-DAF7-4A3E-B162-52DB00A27534.htm
[11] سورة الإنسان الآيتين (2 و 3)
[12] عزمي بشارة، مرجع سابق.
[13] عزمي بشارة، مرجع سابق.
[14] عادل الشرجبي، أزمة التحول الديمقراطي في اليمن، مرجع سابق.
[15] أماني قنديل، المجتمع المدني في العالم العربي، منظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطن، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1994. صــ68،69.
[16] فهمي هويدي، مقال الدولة الديمقراطية قبل المدنية أو الدينية، مرجع سابق.
([17]) انظر، المواد ( 7، 14، 19، 24، 25، 27، 28، 32، 39، 41، 47، 48، 49، 53، 57، 61 ) من دستور الجمهورية اليمنية
[18] عادل الشرجبي، أزمة التحول الديمقراطي في اليمن، مرجع سابق.
[19] عادل الشرجبي، أزمة التحول الديمقراطي في اليمن، مرجع سابق.
[20] عادل مجاهد، الحركات الاجتماعية في اليمن، مرجع سابق.
[21] عزمي بشارة، مرجع سابق.
[22] نقلاً عن، راسل جاكوبي، نهاية الإيديولوجيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة، ترجمة فاروق عبد القادر، كتاب عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد ( 269 )، مايو 2001، ص 186.                                              

ليست هناك تعليقات: