الخميس، 18 ديسمبر 2025

قراءة تحليلية أكاديمية لأطروحة «إسماعيل قربان بوناوالا وأثره الفكري في الدراسات الإسماعيلية الفاطمية – دراسة تحليلية»

     


  للباحثة / ليلى محمد جابر العامري

بقلم : د.عمرو معديكرب الهمداني

رئيس المجلس العلمي للدار المحمدية الهمدانية للدراسات والأبحاث

 

مدخل عام: من التراكم المعرفي إلى سؤال الأثر

ليست هذه الأطروحة مجرّد دراسة عن شخصية علمية معاصرة، ولا هي عمل وصفي يكتفي بحصر المؤلفات أو تتبع المسار الزمني لحياة باحث بارز في حقل الدراسات الإسماعيلية، بل تمثل – في جوهرهامحاولة واعية لتحويل التراكم العلمي إلى سؤال معرفي: ما الذي غيّره إسماعيل قربان بوناوالا في طريقة التعامل مع النص الإسماعيلي الفاطمي؟ وما طبيعة الأثر الذي تركه مشروعه العلمي في بنية هذا الحقل البحثي، عربياً وعالمياً؟

هذا السؤال هو ما يمنح الدراسة قيمتها الحقيقية، ويجعلها تتجاوز النمط السائد في كثير من الدراسات الأكاديمية التي تتعامل مع الأعلام المعاصرين بوصفهم موضوعات توثيق، لا مشروعات فكرية قابلة للتحليل والنقد.

 

أولًا: اختيار الموضوع… وعي علمي لا مجرّد اجتهاد فردي

يُحسب للباحثة اختيارها شخصية إسماعيل قربان بوناوالا تحديدًا، لا لكونه باحثًا إسماعيليًا فحسب، بل لأنه يمثل نموذجًا مختلفًا للعالم الإسماعيلي المعاصر؛ نموذجًا خرج من الإطار التقليدي المغلق، ودخل المؤسسة الأكاديمية العالمية من أوسع أبوابها، من غير أن يفقد صلته بالنصوص المركزية للتراث الإسماعيلي.

فالحديث عن بوناوالا هو حديث عن:

·  عالم اشتغل على النص الإسماعيلي بوصفه تراثًا إنسانيًا قابلًا للفحص العلمي،

·  وباحث استطاع أن يوازن بين الانتماء المذهبي والانضباط الأكاديمي،

·  ومحقق نقل نصوصًا كانت حبيسة التداول الداخلي إلى فضاء البحث العالمي.

وهذا الاختيار يدل على حسّ نقدي واعٍ لدى الباحثة، لأنها لم تذهب إلى شخصية جدلية أو مستهلكة بحثيًا، بل إلى مشروع علمي لم يُدرس عربيًا دراسة تحليلية متكاملة من قبل.

ثانيًا: الإشكالية المركزية… من “من هو؟” إلى “ماذا فعل؟

أبرز ما يميّز هذه الأطروحة هو انتقالها من سؤال الهوية إلى سؤال الوظيفة المعرفية.
فبدل أن يكون السؤال المركزي: من هو إسماعيل بوناوالا؟ أصبح السؤال – صراحة وضمنًا –: كيف أسهم إسماعيل بوناوالا في إعادة تشكيل الدراسات الإسماعيلية الفاطمية منهجيًا ونصيًا؟

هذا التحول في زاوية النظر هو ما يُخرج الأطروحة من دائرة التراجم التقليدية إلى دائرة الدراسات الفكرية التحليلية. فالتركيز لم يكن على السيرة لذاتها، بل على:

·  كيفية تشكّل المشروع العلمي،

·  آليات اشتغاله،

·  حدود إضافته،

·  ونقاط قوته وقابليته للنقد.

وهذا التوجه يعكس فهمًا متقدمًا لطبيعة البحث العلمي في الدراسات التاريخية والفكرية المعاصرة.

ثالثًا: السياق التاريخي والفكري… السياق بوصفه عنصرًا تفسيريا

لم تتعامل الدراسة مع السياق التاريخي للفرقة الطيبية الداودية بوصفه خلفية محايدة، بل بوصفه عنصرًا فاعلًا في إنتاج المعرفة. فقد نجحت الباحثة في الربط بين:

·  الاستقرار الاجتماعي النسبي للبهرة في الهند،

·  وبناء مؤسسات تعليمية وتنظيمية قوية،

·  والانفتاح المنضبط على الحداثة والتعليم الغربي،

وبين نشوء نمط جديد من العلماء الإسماعيليين، من بينهم بوناوالا.

هذا الربط يعبّر عن وعي بأن الفكر لا يُنتج في الفراغ، بل يتشكّل ضمن بنية اجتماعية وسياسية وثقافية محددة. كما أن الدراسة تجنّبت الوقوع في الإطالة التاريخية غير المنتجة، وحرصت – في معظم المواضع – على توظيف السياق لخدمة التحليل، لا العكس.

رابعًا: السيرة العلمية… السيرة بوصفها مفتاحًا للفهم لا غاية بذاتها

في تناول السيرة الذاتية والعلمية لبوناوالا، حاولت الباحثة – إلى حد كبير – تجاوز السرد الزمني التقليدي، والانتقال إلى تحليل الوظيفة المعرفية لكل مرحلة.

فدراسته في:

·  الهند،

·  ثم مصر،

·  ثم الولايات المتحدة،

لم تُعرض بوصفها انتقالًا جغرافيًا فحسب، بل كتحوّل في:

·  أدوات البحث،

·  ولغة الخطاب،

·  وطبيعة الأسئلة المطروحة.

وتُظهر الأطروحة أن بوناوالا لم يكن أسير مدرسة واحدة، بل نتاج تراكم معرفي متعدد المرجعيات، وهو ما يفسّر مرونته المنهجية وقدرته على مخاطبة جمهورين مختلفين:

·  الجمهور الإسماعيلي الداخلي،

·  والمؤسسة الأكاديمية العالمية.

خامسًا: النتاج العلمي… من الفهرسة إلى التحليل البنيوي

يتميّز الفصل الثاني من الأطروحة بمحاولة جادة للانتقال من مجرد حصر المؤلفات إلى تحليل طبيعة هذا النتاج. فالدراسة لا تكتفي بتعداد الكتب والمقالات، بل تحاول:

·  تصنيفها موضوعيًا،

·  رصد تطور اهتماماته البحثية،

·  إبراز القضايا المركزية التي شغلته، مثل: النص، النسبة، المنهج، والضبط العلمي.

كما تُحسن الباحثة التمييز بين:

·  التأليف،

·  والتحقيق،

·  والترجمة،

وتتعامل مع كل حقل بوصفه نشاطًا معرفيًا مستقلًا، لا مجرد وظيفة تقنية.
وهذا التمييز مهم للغاية، لأنه يكشف أن بوناوالا لم يكن مجرد ناقل، بل منتجًا للمعرفة عبر أدوات متعددة.

سادسًا: منهج التحقيق… لبّ المشروع العلمي

يمثل الفصل الثالث قلب الأطروحة النابض، وفيه تظهر الباحثة بأدواتها النقدية بأوضح صورة.
فهنا لا نتعامل مع وصف عام للمنهج، بل مع تفكيك فعلي لآليات العمل التحقيقي لدى بوناوالا، من حيث:

·  التعامل مع النسخ الخطية،

·  المقابلة النصية،

·  إثبات النسبة أو نفيها،

·  ضبط النص لغويًا وتاريخيًا،

·  وشرح المصطلحات ضمن سياقها الفكري.

وتبرز الدراسة أن بوناوالا:

·  لا يقدّس النص لذاته،

·  ولا يتعامل معه بوصفه مادة جامدة، بل يراه خطابًا تاريخيًا حيًا يحتاج إلى:

·  قراءة داخلية،

·  وربط بالسياق،

·  وضبط علمي صارم.

كما تؤكد الدراسة التزامه العالي بالأمانة العلمية، وهو عنصر بالغ الأهمية في حقل لطالما عانى من التوظيف الأيديولوجي والمذهبي للنصوص.

سابعًا: الأثر الفكري… بين الحفظ والتجديد

في الفصل الرابع، تنتقل الأطروحة من التحليل الجزئي إلى التقويم الكلي. وهنا تصل الدراسة إلى إحدى أهم خلاصاتها:

أن إسماعيل بوناوالا لم يكن مجرد حافظ للتراث الإسماعيلي، بل مجددًا في طريقة تقديمه وفهمه.

لقد أسهم – بحسب الدراسة – في:

·  إنقاذ نصوص مركزية من الإهمال أو التداول المحدود،

·  وإدخالها إلى فضاء البحث الأكاديمي العالمي،

·  وتحريرها من القراءة الدفاعية المغلقة.

 

ثامنًا: ملاحظات نقدية منهجية

ومن باب الأمانة العلمية، يمكن تسجيل جملة من الملاحظات البنّاءة، من بينها:

1.                      الحاجة إلى توسيع الإطار النظري لنقد النصوص والمخطوطات.

2.                      تعميق المقارنة المنهجية مع مدارس تحقيق أخرى.

3.                      تقليل بعض المقاطع الوصفية لصالح التحليل المفاهيمي.

غير أن هذه الملاحظات لا تقلل من القيمة العلمية للأطروحة، بل تشير إلى قابليتها للتطوير والتوسيع، سواء عبر مقالات محكّمة أو دراسات لاحقة.

خاتمة عامة: أطروحة تفتح بابًا ولا تغلقه

يمكن القول في الخلاصة إن هذه الأطروحة:

·  تمثل إضافة نوعية للدراسات الإسماعيلية العربية،

·  وتقدّم نموذجًا ناضجًا لدراسة العلماء المعاصرين دون تقديس أو تسطيح،

·  وتشكل مرجعًا مهمًا للباحثين في التحقيق، والدراسات المذهبية، وتاريخ النص.

والأهم من ذلك كله، أنها لا تُغلق ملف إسماعيل بوناوالا، بل تفتحه على أسئلة أوسع تتعلق بعلاقة التراث بالحداثة، والنص بالمنهج، والانتماء بالبحث العلمي.

وفي الختام تتقدّم الدار المحمدية الهمدانية للدراسات والأبحاث بخالص الشكر والتقدير للباحثة الدكتورة ليلى محمد جابر العامري على هذا الجهد العلمي الرصين، الذي تميّز بالجدية المنهجية، والدقة الأكاديمية، والالتزام بأصول البحث والتحليل، في تناولها موضوعًا بالغ الحساسية والأهمية في حقل الدراسات الإسماعيلية الفاطمية.

لقد مثّلت هذه الدراسة إضافة نوعية للمكتبة العربية، ليس فقط من حيث اختيار موضوعها، وإنما من حيث طريقة معالجته، التي تجاوزت الوصف والتجميع إلى التحليل والتقويم، وأسهمت في إبراز الأثر الفكري والمنهجي للدكتور إسماعيل قربان بوناوالا بوصفه أحد أبرز أعلام التحقيق والدراسة في التراث الإسماعيلي المعاصر.

وإذ تثمّن الدار هذا العمل العلمي الجاد، فإنها ترى فيه نموذجًا للبحث الأكاديمي المسؤول، القائم على الإنصاف العلمي، والبعد عن التحيّز، والحرص على خدمة التراث الإسلامي بروح علمية منفتحة، وهو ما ينسجم مع رسالة الدار وأهدافها في حفظ التراث، ودعمه، وتقديمه في إطار معرفي رصين يخدم الباحثين والدارسين.

وتؤكد الدار المحمدية الهمدانية أن هذه الجهود محل تقدير واعتزاز، وتأمل أن تكون هذه الدراسة منطلقًا لأعمال علمية أخرى تسهم في تعميق البحث في التراث الإسماعيلي والفاطمي، وتعزيز جسور التواصل العلمي بين الباحثين والمؤسسات الأكاديمية المتخصصة.

 

 

      وفي هذا الصدد تعتزم مؤسـسة الهمداني الثقافية (الدار المحمدية الهمدانية للدراسات والأبحاث) في القريب إصدار ونشر الأعمال التالية:

o      كتاب عبارة البشارة  

o      كتاب معاصم الهدى

o      كتاب مجالس النصح والبيان

جاء هذا المنشور بعد مجموعة من  البرامج والمشاريع الثقافية والعلمية في إطار  مبادرة الحق في المواطنة المتساوية -الإسماعيليون في اليمن:

(إصدار منشورات أخرى  )كتاب الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمنوكتاب الزينة في الكلمات الإسلامية العربية بحث تاريخي في رسائل إخوان الصفاء وعقائد الإسماعيلية فيهاكتاب تحفة القلوب وفرجة المكروب ,كتاب تنبيه الغافلين ,كتاب العلامة حسين بن فيض الله الهمداني(حياته-فكره-نضاله),كتاب الديوانمجموع رسائل الذؤيب[1] ,الرسالة المفيدة في إيضاح ملغز القصيدة,مجموع مؤلفات الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي[1]؛ الرسالة الحاتمية في الرد على بعض المارقين؛مجموع رسائل الداعي الحسين بن علي بن محمد بن الوليد الانف[1]؛ أجوبة القاضي النعمان بن محمد؛ كتاب الفترات والقرانات العشرة [الجفر الأسود]ُ؛كتاب مختصر الأصول وزبدة المحصول؛ كتاب المنصوص في اعتقاد الخصوص؛ رسالة غاية الأجسام؛كتاب غاية المواليد؛ كتاب منيرة البصائر؛ رسالة النفس؛ رسالة في بيان إعجاز القرآن؛ كتاب النعيم؛ كتاب مصباح الشريعة؛ كتاب مفاتيح النعمة, كتاب تأويل الزكاة ,كتاب سلسلة أعلام الاسماعيلية [1] , كتاب رؤية الهلال بين التأويل والظاهر, كتاب الاخبار في الفقه مج1؛ كتاب مختصر الآثار مج1, كتاب مختصر الآثار مج2, الرسالة المكنونة, كتاب تسع وتسعون مسألة في الحقائق, كتاب المجالس الحاتمية الصغيرة, كتاب مفاتيح الكنوز, رسالة نهج العبادة, كتاب المنتخبة في الفقه ج1, كتاب المنتخبة في الفقه ج2,رسالة النقد على أهل المخاط؛ رسالة الإحسان في خلق الإنسان، رحلتي على طريق العشق الحسيني؛ رحلتي الى بلاد الهند؛ كتاب الشموس الزاهرة؛ رحلتي على طريق العشق الحسيني (البحث عن الذات)؛الدكتور حسين فيض الله الهمداني رائد الدراسات الإسماعيلية (الفاطمية) الحديثة، كتاب الاخبار في الفقه ج2؛ كتاب الطهارة؛ كتاب الهمدانيون ودورهم في توثيق التراث الفاطمي الإسماعيلي ؛ سيرة ومسيرة -محطات في حياة المؤرخ الهمداني.

(تنظيم مؤتمر الحق في المواطنة المتساوية) المنعقد في إبريل عام 2012م

(تنظيم إحتفالية تدشين كتاب تنبيه الغافلين...ومجموعة إصدارات العلامة  الهمداني) المنعقد في صنعاء بتاريخ 6/مارس/2013م

(مساندة المؤتمر العلمي الدولي الخامس لزيارة الأربعين) المنعقد في 10-11/سبتمبر/ 2021م في كربلاء المقدسة.

(مساندة المؤتمر العلمي الدولي السادس لزيارة الأربعين) المنعقد في سبتمبر/ 2022م في كربلاء المقدسة.

(مساندة المؤتمر العلمي الدولي السابع لزيارة الأربعين) المنعقد في سبتمبر/ 2023م في كربلاء المقدسة.

 

(تنفيذ ودعم مجموعه دراسات وأبحاث في مجالات متعددة من المبادرة)

حفظ وتوثيق التراث الفاطمي الإسماعيلي.

 

ليست هناك تعليقات: